س259: كيف يؤيد السيد المسيح الناموس ويثبته (مت 5: 17، لو 16: 17، 21: 33) بينما يبذل بولس الرسول قصارى جهده في إلغاء الناموس ونقضه وهدمه (غل 3: 10، 5: 4، عب 7: 18، 8: 7، 13، 10: 9)؟
يقول "علاء أبو بكر": "س833: كيف تبررون التناقض الموجود بين قول يسوع في تأييد الناموس وقول بولس في هدم العمل به؟ (مت 5: 17 - 18)..(لو 16: 17)، فقد قال بولس... (غل 3: 10 - 12، عب 7: 18، 19)" (568).
ويقول "لواء أحمد عبد الوهاب": "ولكن بولس نقض هذه الوصايا وعلم الناس إبطال الناموس، فحق عليه أن يُدعى أصغر في ملكوت السموات:
" بأعمال الناموس لا يتبرر جسديًا...
" جميع الذين هم من الناموس هم تحت اللعنة...
" قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة" (غل 2: 16، 3: 10، 5: 4)" (569).
(راجع أيضًا السيد سلامة غنمي - التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص369، والبهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س148 ص103، جـ2 س134 ص141 - 143، س320 ص300، 301، س333 ص317 - 320، س356 ص364 - 368، س357 ص368، 369، جـ 3 س286 ص187، جـ4 س126 ص92، 93).
ج: 1- قال السيد المسيح له المجد: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (مت 5: 17).
" وَلكِنَّ زَوَالَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ" (لو 16: 17).
" اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَيَزُولُ" (لو 21: 33).
فقد أيد السيد المسيح الناموس وثبَّته حتى أنه قال: "لاَ تَظُنُّوا" أي لا تفكروا مجرد تفكير في أنني جئت لألغي الناموس وأبطله، إنما جئت لأبقيه في الوضع الصحيح الذي قصده اللَّه تمامًا، ليثبت إلى نهاية الدهور: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّـى يَكُونَ الْكُلُّ" (مت 5: 18). وجاء في " الكتاب المقدَّس الدراسي": "حرف واحد: المقصود باليونانية كلمة إيوتا (iota) التي عادة ما نستخدمها في القول: "لا يحدث قيد أنملة من الفرق". إنها أقرب مرادف يوناني للحرف العبري "يود yodh " وهو أصغر الحروف الهجائية العبرية (انظر مز 119: 73 حرف الياء). أو نقطة واحدة المقابل اليوناني لهذه العبارة يعني " قرنًا " ودرج استخدامه لزخرفة الحروف أو مد بعضها" (570).
ويقول "باسل أتكنسون": "الكلمة "جوت" تشير إلى الحرف العبري (ى) وهو أصغر الحروف في الأبجدية (نقطة) تضاف إلى حروف الأبجدية العبرية، فتحدث، في بعض الحالات، فرقًا جوهريًا بين أحد الحروف والآخر. وبالعبارة "الناموس" يُقصَد على الأرجح كل العهد القديم، فالرب يعلّم هنا مفهومًا ساميًا جدًا عن الوحي الكتابي، ويظهر بوضوح أن الإنجيل مبني ومؤسَّس على العهد القديم" (571).
ويقول "ر. ت. فرانس": "إن حرف iota (يوتا) في اللغة العبرية هو أصغر حروفها، وهو غالبًا اختياري في الهجاء، والنقطة (التي توضع فوق الحروف)، إما أن تكون الحرف المشابه "و" (وهو اختياري أيضًا) أو الذنابة (المترجم: الذنابة خط دقيق ينهى به أعلى الحرف أو أدناه في اللغة العبرية) التي تميز بعض الحروف العبرية المتشابهة" (572).
كما يعلق "ر. ت. فرانس" على قول السيد المسيح: "حَتَّـى يَكُونَ الْكُلُّ " قائلًا: "وثمة ثلاث تفسيرات محتملة لهذا القول:
أ - " حتى نهاية العالم "، بيد أن هذا سيكون استخدامًا فريدًا لهذه العبارة، ستكون مجرد تكرار للجزء الأول من الآية.
ب- حتى تتم كل متطلباته. لكي يتم ( genetai ) تعني حرفيًا يحدث، وتستعمل للأحداث وليس للأشياء التي تعمل.
جـ- " حتى يتم ما نتطلع إليه " وهذه ترجمة منصفة لكلمة genetai (كما جاءت في: "لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ" (مت 24: 34) حيث أننا في الواقع نجد أن نفس العبارة تحمل هذا المعنى وتربط هذه الآية بالفكر الذي في الآية 17، وحرف "الفاء" الذي بدأت به هذه الآية يؤدي معنى الربط. إذًا فالكلام هنا يدور حول "إكمال" يسوع العهد القديم، ويستمر الناموس ساريًا حتى يصل إلى ذروته المقصودة. وهذا ما تحقق في إرسالية يسوع وتعاليمه. ولذلك فهذه الآية لا تقرر، كما يرى البعض، أن كل قاعدة في ناموس العهد القديم ستظل سارية وملزمة بعد مجيء يسوع. الناموس لا يتغير إلاَّ أن هذا لا يبرر تطبيقه بتخطي الهدف الذي قُصِد منه" (573).
2- قال بولس الرسول:
" † " لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ.لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِه" (غل 3: 10).
† " قَـدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ الْمَسِيحِ أَيُّهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِالنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَة" (غل 5: 4).
† " فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا. إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئًا" (عب 7: 18، 19).
† " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ... فَإِذْ قَالَ جَدِيدًا عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ" (عب 8: 7، 13).
† " يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ" (عب 10: 9).
فهل نفهم مما سبق وغيره أن بولس الرسول حاول إلغاء ونقد وهدم العهد القديم؟ كلاَّ... لأن:
أ - ما هاجمه بولس الرسول هو الإعتماد على أعمال الناموس في تبرير الإنسان، لأنه لو كان هناك إمكانية أن يتبرَّر الإنسان بأعمال الناس، فما هو الداعي للتجسد والفداء؟!! " لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَب" (غل 2: 21)، فإن الناموس لم يعطى للخلاص: "وَبِهذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى" (أع 13: 39).. " لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ" (رو 3: 20).. " إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا" (غل 2: 16).
كما أن الإنسان يعجز عن تنفيذ كل وصايا ومطالب الناموس التي تتناول جميع جوانب الحياة، ومن يخطئ في واحدة فقد أخطأ في الجميع: "لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ" (يع 2: 10)، فإن كان الإنسان يعجز تمامًا عن تنفيذ مطالب الناموس، فكيف يطلب أن يخلص بالناموس؟!! ومن لا يستطيع أن يتمم مطالب الناموس فأنه يسقط تحت لعنة الناموس: "لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِه" (غل 3: 10).. فكيف يكون الناموس الذي صار سبب لعنة للإنسان يصير سبب خلاصًا له؟!! (راجع كتابنا: رسالة غلاطية ص194 - 198).
ب - الناموس في حد ذاته صالح وكامل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كقول داود النبي: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَـا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ" (مز 19: 7، 8)، وقال الشهيد اسطفانوس عن موسى النبي أنه: "قَبِلَ أَقْوَالًا حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا" (أع 7: 38)، وقال بولس الرسول الذي أُتهم ظلمًا أنه يحاول أن ينقض ويهدم الناموس: "إِذًا النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَة" (رو 7: 12).. " أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ" (رو 7: 14).. " وَلكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ" (1 تي 1: 8). وهذا الناموس المقدَّس الروحي نجح تمامًا في كشف خطايا الإنسان وتعريته أمام نفسه " لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّة" (رو 3: 20) فكان مثل المرآة التي تظهر بشاعة الإنسان الأثيم، ومثل الترمومتر الذي يعلن خطورة درجة حرارة الإنسان، ومثل قصبة القياس التي تُحدّد قامة الإنسان الروحية، بينما عجز الناموس أن يهب الإنسان العلاج الشافي من موت الخطية.
جـ - قال بولس الرسول: "إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئًا. أَيُّهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِالنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ" (غل 5: 2، 4)، فقد تمسك المتهودون بالختان كضرورة للخلاص، أما بولس الرسول فقد أوضح أن الخلاص ليس بالختان ولا بالناموس بل بالمسيح، وهو يقول لأهل غلاطية الذي آمنوا بالمسيح ونالوا الخلاص، ما حاجتكم بعد للختان لتطيعوا المتهودين... أليس هذا يُظهِر عدم ثقتكم في كفاية الخلاص بدم المسيح؟! يا من تريدون أن تتبرروا بالختان والناموس فأنكم تفصلون حياتكم عن المسيح فتسقطون من النعمة. (راجع كتابنا: رسالة غلاطية ص342 - 350).
د - يقول "الدكتور القس منيس عبد النور": "قال المعترض: أعلن المسيح في متى 5: 17 إنه لم يأتِ لينقض الناموس بل ليكمله. ولكن يناقض هذا قول العبرانيين 7: 18 " فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا ".
وللرد نقول: تقدم الموعظة على الجبل (التي اقتبس منها المعترض متى 5: 17) مثلًا بعد آخر يبرهن أن المسيح أكمل الناموس والأنبياء ولم ينقضهما، ولازلنا نحن المسيحيين نحترمهما ونقرأهما في عبادتنا بالكنائس. أما ما جاء في العبرانيين 7: 18 فيتحدث عن أحد أجزاء الشريعة التي بطلت بعد تحقُّق الغرض منها، مثل الذبائح التي طالبت شريعة موسى بها، فهذه كانت تشير إلى حاجة البشر لذبيحة المسيح الكفارية، فلما تمت الذبيحة على الصليب لم تعد هناك حاجة للذبائح التي طالبت شريعة موسى بها. لقد كانت أجزاء الشريعة التي بطلت مثل الشيك على البنك، تبطل قيمته بعد صرف المبلغ من البنك، ونحن لا نقول أن البنك ألغى الشيك، بل أكرمه بأن دفع قيمته. ولم يكن ناموس موسى للعالم كله، ولكنه كان عهدًا بين اللَّه وبني إسرائيل. أما ما به من مبادئ فأزلي دائم. فالمبادئ دائمة، لكن تفاصيلها تناسب عصرها وظروفها" (574).
_____
(568) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص421.
(569) اختلافات في تراجم الكتاب المقدَّس وتطورات هامة في المسيحية ص93.
(570) الكتاب المقدَّس الدراسي ص2262.
(571) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 5 ص26.
(572) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل متى ص118.
(573) المرجع السابق ص118، 119.
(574) شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص293، 294.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/259.html
تقصير الرابط:
tak.la/4rmpa54