St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

255- قال السيد المسيح: "طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت 5: 10).. فهل المقصود بالبر الأعمال الصالحة؟ ولماذا لم يصب السيد المسيح الويل على الطاردين؟

 

س255: قال السيد المسيح: "طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت 5: 10).. فهل المقصود بالبر الأعمال الصالحة؟ ولماذا لم يصب السيد المسيح الويل على الطاردين؟

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: 1ــ ليس المقصود بالبر مجرد الأعمال الصالحة، بل الأعمال الصالحة في المسيح يسوع، لأن أي أعمال صالحة بعيدًا عن السيد المسيح لا تفتح للإنسان باب الملكوت، ولو كانت الأعمال الصالحة تكفي لخلاص الإنسان ما كان هناك داعٍ لقصة التجسد الإلهي والفداء الذي صنعه الرب يسوع بدمه على صليب العار، ولو كانت الأعمال الصالحة تكفي لخلاص الإنسان لخلص غير المؤمنين بأعمالهم الصالحة، فالحقيقة أن الأعمال الصالحة لا تعد تفضلًا من الإنسان بل هيَ واجب عليه، لذلك قال السيد المسيح: "مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ" (لو 17: 10)، وقال القديس يعقوب: "فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ" (يع 4: 17).. الأعمال الصالحة بدون الإيمان بالمسيح الفادي وبدون المعمودية لا تخلص الإنسان، فالخلاص أساسًا بدم المسيح: "وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عب 9: 22)، ونحن نأخذ استحقاقات دم المسيح بالمعمودية حيث نموت ونُدفن ونقوم مع المسيح، والأعمال الصالحة هيَ شهادة على إيماننا العملي.

ونستطيع أن نقول أن المقصود بالبر المسيح ذاته، يقول "القمص تادرس يعقوب": "إن كان السيد قد ختم التطويبات باحتمال التعيير والطرد أي الإضطهاد، فقد اشترط لنوال المكافأة السماوية أن نحتمل ذلك "من أجل البر"، أو كما يقول "من أجلي" إذ هو برّنا" (552).

ويقول "متى هنري": "وكل هذا " من أجل البر " ع 10 و"من أجلي" ع 11. إن كان "من أجل البر" فإنه " من أجل المسيح " لأن أعمال البر منحصرة فيه، وأعداء البر أعداء المسيح.. إن الذين يتألمون "من أجل البر" هم الذين يتألمون لأنهم لا يريدون أن يخطئوا ضد ضميرهم، وهم الذين يتألمون من أجل عمل الخير. ومهما إدعى المضطهدين لتبرير تعذيبهم لأولاد اللَّه فأنهم إنما يقاومون قوة التقوى، وهم إنما يقاومون ويبغضون ويضطهدون المسيح وبره" (553).

ويقول "الأب متى المسكين": "البر.. هو بر المسيح واللَّه. هو التبرير الحاصل من الإيمان بصليبه وموته وقيامته.. فنحن إذ نسعى ونشهد لبر المسيح نبدو في أعين العالم جهلاء يحلُّ إضطهادهم، ومروّجي خرافات وتجاديف، فاللَّه لا يموت لذلك يحل دمهم. فالذي يؤمن بالمسيح ويكرز بصليبه ليس له في عالم الظلمة مكان، فهو يُطارد لأنه يُسئ إلى رئيس هذا العالم ويعكر مزاج أولاده.. العالم لا يطيق بر المسيح ولا يحتمل المناداة به: "إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ" (يو 15: 20).. فالذي يُضطهَد من أجل البر - وليس لنا بر المسيح وملكوته - فحتمًا ينال نصيبه في هذا الملكوت" (554).

 

St-Takla.org Image: Blessed are the Persecuted: An angel protects the persecuted from people with stones as an illustration of the eighth beatitude: "Blessed are those who are persecuted because of righteousness, for theirs I the kingdom of heaven" (NIV): (Matthew 5: 10) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: "طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات": التطويب الثامن، وتظهر صورة ملاك يحمي أحد المضطهدين من الرجم بالحجارة (متى 5: 10) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Blessed are the Persecuted: An angel protects the persecuted from people with stones as an illustration of the eighth beatitude: "Blessed are those who are persecuted because of righteousness, for theirs I the kingdom of heaven" (NIV): (Matthew 5: 10) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات": التطويب الثامن، وتظهر صورة ملاك يحمي أحد المضطهدين من الرجم بالحجارة (متى 5: 10) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

2ــ هذه العظة موجهة للتلاميذ والمؤمنين على مر الأجيال، فالسيد المسيح يعلم ما سيواجهه هؤلاء بسبب إيمانهم العامل بالمحبة، لذلك أراد أن يشجعهم فوضع أمامهم المكافأة العظمى وهيَ ملكوت السموات، ولم يكتفِ السيد المسيح بالنطق بهذا التطويب (مت 5: 10)، إنما شرحه في العددين التاليين (مت 5: 11، 12) فذكر التعيير والهجو بكلمات قاسية (كلمة شريرة)، وأوضح شرط المكافأة أن تكون إتهاماتهم باطلة وإدعاءاتهم كاذبة، وذكر نماذج حيَّة مشرّقة من الأنبياء القديسين الذين قاسوا الأهوال من أجل أمانتهم وتمسكهم بكلمة الحق. ومهما خسر الإنسان من الماديات فإن اللَّه يعوضه عوضًا عن الفانيات بالباقيات، والزمنيات بالأبديات، حتى لو خسر الإنسان حياته على الأرض فإنه سيربحها في السماء.

وكم أشاع المُضطهِدون الأشرار عن المسيحيين الأتقياء إشاعات كاذبة رديئة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حتى أنهم أتهموهم بذبح الأطفال وشرب دمائهم، لأنهم سمعوا بعض الكلمات عن التناول من جسد ودم المسيح، ولأن المسيحيين لم يتمكنوا من ممارسة شعائرهم الدينية في العلن فمارسوها في الأماكن المهجورة والقبور، فإذ بهم يُتهمون بالفجور والتآمر ضد السلطات، ولأنهم رفضوا السجود للإمبراطور أُتهموا بكراهيته ومناصبته العداء، ولأن كثيرين من الذين آمنوا قاسوا الأمرين من ذويهم فأُتهم المسيحيين بأنهم يقطعون أواصر العلاقات الأسريَّة.. كم قاسى المسيحيون الأمناء ومازالوا يقاسون من الطرد والتهجير والطرد من الوظائف؟!

ويقول "متى هنري": "فهم " يُطرَدون " يُطارَدون، يُتابَعون.. كأن المسيحي يحمل "رأس ذئب".. أنهم يُنبَذون " وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ" (1 كو 4: 12)، تُوقَع عليهم الغرامات، يسجنون، يُبعدون عن كل المراكز الهامة والرئيسية، يُجلَدون يُعذَبون، يُسلَّمون إلى الموت دوامًا، ويحسبون مثل غنم للذبح. كان هذا نتيجة عداوة نسل الحيَّة ضد النسل المقدَّس منذ وقت هابيل البار. كان هذا هو الحال أيام العهد القديم كما يتبين مما ورد في عب 11: 35 إلخ. والمسيح أخبرنا أن حالة الضيق والإضطهاد ستكون أكثر قسوة مع الكنيسة المسيحية وحذرنا من أن نستغربها (1 يو 3: 13) لقد ترك هو لنا مثالًا في هذه الناحية" (555).

لقد كان المسيحيون المُضطَهدون عبر العصور في حاجة شديدة لهذا الوعد الإلهي بالملكوت، وأمام ملكوت السموات يتضاءل كل شيء: "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رو 8: 18).. " لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2 كو 4: 17).. " إِنْ كُنَّـا نَصْبِـرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ" (2 تي 2: 12).. " وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ" (1 بط 3: 14).

 

3- لم يصب السيد المسيح الويلات على المُضطهِدين، لأن هذا أمر مفروغ منه فالعهد القديم يزخر بالويلات للظالمين:

† " لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاءُ" (تث 32: 35).

† " تَهَلَّلُوا أَيُّهَـا الأُمَمُ شَعْبُهُ لأَنَّهُ يَنْتَقِمُ بِدَمِ عَبِيدِهِ وَيَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِه" (تث 32: 43).

† " لأَنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ وَيَفْنَى عَنِ الأَرْضِ الدَّائِسُونَ" (إش 16: 4).

كما أن العهد الجديد أكد معاقبة الأشرار:

† " لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ" (رو 12: 19).

† " وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ" (كو 3: 25).

فليس معنى أن السيد المسيح لم يذكر عقاب الظالمين المُضطهِدين المسيحيين أنهم لن يعاقبوا، بل أن عقابهم أمر مفروغ منه ومعلوم ومؤكد حتى لو لم يُذكَر هنا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(552) تفسير إنجيل متى ص107.

(553) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ1 ص135.

(554) الإنجيل بحسب القديس متى ص226، 227.

(555) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى ص 134.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/255.html

تقصير الرابط:
tak.la/thsp3pz