س228: هل قول الآب عن السيد المسيح: " هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ" (مت 3: 17) يقصد به البنوة المجازية التي تُطلق على أي إنسان تقي؟ أو كان يقصد بها يسوع الإنسان المولود من العذراء والذي سكن فيه الله الكلمة؟
يقول "أحمد ديدات": " أبناء اللَّه: يتحفظ المسلمون تحفظًا لا تهاون فيه البتة فيما يتعلق باعتقاد المسيحيين أن عيسى هو ابن اللَّه الوحيد كمولود له سبحانه وتعالى، وليس مخلوقًا من خلق اللَّه بقدرته جل في علاه، ولقد سألت علماء المسيحية عما يقصدونه بقولهم: المولود لا المخلوق، فلم أحظ برد مُقنع. أنهم يعتقدون أن للَّه أولادًا بالأطنان. يقول إنجيل لوقا ما نصه: ".. بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللَّه" (لو 3: 38). ألا تستطيع أيها القارئ الكريم أن تدرك أنه بلغة اليهود فإن كل شخص متدين، أيا كان اسمه إنما هو ابن اللَّه. أن البنوة للَّه لفظ مجازي يستخدم على سبيل الإستعارة، ولفظة "ابن اللَّه" كانت شائعة الاستخدام لدى اليهود، ويوافق المسيحي على هذا المنطق" (420) (راجع أيضًا محمد توفيق - نظرة في كتب العهد الجديد ص112).
ج: أولًا: هل المقصود ببنوة المسيح البنوة المجازية التي تُطلق على أي إنسان تقي؟
1ــ يسوع المسيح هو اللَّه الكلمة المتجسد من أجل خلاصنا، وأقنوم الكلمة كائن منذ الأزل، أزلي بأزلية الآب: " إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ قَالَ لِي أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ... قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ" (مز 2: 7، 12) والمقصود باليوم هنا الأزل، اليوم الذي ليس قبله يوم، وجاء عنه في سفر الأمثال: " مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْه؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْب؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْض؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" (أم 30: 4) وبدأ مارمرقس إنجيله بعبارة: " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّه" (مر 1: 1)، وبنوة المسيح للَّه بنوة طبيعية ذاتية، فالابن من نفس جوهر الآب، بنوة مستمرة بلا انفصال منذ الأزل وإلى الأبد وفي كل لحظة، لذلك كثيرًا ما كان الرب يسوع يقول: " أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ... صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ" (يو 14: 10، 11)، وقال يوحنا الحبيب: " اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 1: 18)، نور من نور، إله حق من إله حق.
2ــ تفرَّد السيد المسيح بلقب ابن اللَّه حتى قبل تجسده، فقال الملاك جبرائيل للعذراء مريم: " وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُـوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى" (لو 1: 31)، كما قال لها: " الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللَّه" (لو 1: 35). لاحظ قول الملاك " يُدْعَى " وهو يفيد الحاضر المستمر ولم يقل " دُعي " في الماضي فقط، أو " سيُدعى " في المستقبل.
3ــ الاعتراف ببنوة الابن للآب هو بمثابة الإيمان الذي بُنيت عليه الكنيسة، فعندما اعترف بطرس الرسول بألوهية المسيح وبنوته للَّه قائلًا: " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ" (مت 16: 16) مدحه السيد المسيح قائلًا: " طُوبَى لَكَ يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا. إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَ" (مت 16: 17، 18).. فلو كان لقب "ابن اللَّه" يمكن أن يُطلَق على أي إنسان تقي، فلماذا اعتبر السيد المسيح اعتراف بطرس أنه إعلان سمائي؟! ولماذ اعتبر يوحنا الإنجيلي أن الهدف من الإنجيل هو الإيمان بيسوع ابن اللَّه: " وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِه" (يو 20: 31)؟!.
4ــ أدرك اليهود جيدًا المعنى الحقيقي لابن اللَّه، فهيَ تعني اللَّه ذاته، ولذلك عندما أشار السيد المسيح لنفسه بأنه "ابن اللَّه" أرادوا رجمه: " فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللَّه" (يو 5: 18)، وعندما سأل رئيس الكهنة السيد المسيح في محاكمته قائلًا: " أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟. قَالَ لَهُ يَسُوعُ أَنْتَ قُلْتَ" (مت 26: 63، 64).. فماذا كان رد فعل رئيس الكهنة؟.. " فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا قَدْ جَدَّفَ مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ. مَاذَا تَرَوْنَ. فَأَجَابُوا وَقَالوُا إِنَّـهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْت" (مت 26: 65، 66)، فلو كان لقب "ابن اللَّه" يُطلَق على أي إنسان تقي على سبيل الإستعارة، فلماذا حُكِم على السيد المسيح بالموت عندما قال أنه ابن اللَّه؟!!
ويقول "الأخ وحيد": " فإن لقب "ابن اللَّه" إذا ارتبط بِاسم المسيح أو لحقه أي صفة خاصة باللَّه، فعلى الفور يأخذ بُعده اللاهوتي، ولهذا حينما سألوه استخدموا في سؤالهم البُعد اللاهوتي، فقالوا له: هل أنت المسيح ابن اللَّه؟ فإرتباط اسم المسيح بلقب "ابن اللَّه" يعني على الفور الاستخدام الخاص المُعادل للَّه ذاته، ولهذا حكموا بصلبه" (421).
ثانيًا: هل المقصود بقول الآب: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ" يسوع الإنسان المولد من العذراء مريم والذي سكن فيه اللَّه الكلمة؟
هذا هو الفكر النسطوري الذي رفضته الكنيسة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ ادعى نسطور أن العذراء ولدت إنسانًا عاديًا، وفيما بعد صاحبه أو رافقه أقنوم الكلمة، وبذلك قسَّم يسوع المسيح إلى شخصين وطبيعتين وأقنومين، الإنسان يسوع المسيح وأقنوم الكلمة، أما الإيمان المسيحي القويم فيعترف بالسيد المسيح الإله المتأنس من أجل خلاصنا. لقد اتحد أقنوم الكلمة بالطبيعة البشرية التي إتخذها من العذراء مريم، ولذلك تُدعى العذراء مريم "معمل الاتحاد" لأن في أحشائها اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادًا كاملًا بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال، ووُلِد منها اللَّه المتجسد، لذلك ندعوها "ثيؤطوكوس" أي والدة الإله... نحن نؤمن بابن واحد، هو ابن اللَّه الوحيد الجنس، ونرفض إيمان نسطور بابنين، ابن بالطبيعة وابن بالنعمة، لأنه هو ابن واحد له طبيعة واحدة من طبيعتين، وكقول القديس كيرلس الكبير " طبيعة واحدة متجسدة للَّه الكلمة "، وقال بولس الرسول: " لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بـِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِه" (1 كو 8: 6).
ويقول "مار ديوناسيوس يعقوب ابن الصليبي": " لكن المعلوم هو أن ابن الآب الطبيعي تجسد وصار إنسانًا... إذ أن الآب لم يقل. قد صار ابني، بل " هذَا هُوَ ابْني ". لأن القول قد صار ابني يُقال عن الذي لم يكن ابنًا قد صار بعد ذلك. أما قول: " هذَا هُوَ ابْني " فيدل على أنه كان ابنه بالطبع منذ الأزل ولكنه كان محجوبًا بستر اللاهوت فظهر بالجسد... ثم نقول أن له طبيعة واحدة متجسدة لا كما يقول الخلقيدونيون، لأن لفظة: " هذَا هُوَ ابْني " لا تتناول أكثر من معنى واحد وهو كونه ابنًا أزليًا فصار إنسانًا، لأن قوله: " أنت هو " تخص الطبيعة الواحدة... لأجل ذلك قال: " هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ " ليعلموا أن للَّه ابنًا أزليًا فصار إنسانًا. ونقول قد سبق الآب وأخبر عن ابنه، لأن الابن كان مزمعًا أن يخبر عن الآب وعن ذاته... ولتسميته إياه حبيبه عرف أنه مساويًا له بالجوهر والطبيعة. بل وليبين أنه مولود فريد قبل الأزمنة وليس له أخوة بالطبع. وقوله: " بِهِ سُرِرْتُ " أنه لا يوجد بين المخلوقات من يستطيع أن يتمم إرادته الإلهيَّة كابنه... لذلك قال: " بِهِ سُرِرْتُ "، أي هذا هو ابني الذي به كملت إرادتي" (422).
_____
(420) المسيح في الإسلام ص60.
(421) المسيح اللوغوس كلمة اللَّه ص42.
(422) الدر الفريد في تفسير العهد الجديد جـ 1 ص138، 139.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/228.html
تقصير الرابط:
tak.la/7jzznnq