س204: ما هيَ علاقة المجوس عبدَّة النار باليهودية وملك اليهود؟ وكيف يكفرون بدينهم ويسجدوا له (مت 2: 11)؟ وكيف يسجدون لمن قدح في دينهم وسبَّ معبوداتهم؟ ولماذا لم نسمع من المؤرخين القدامى بمثل هذا الحدث؟ وما الفرق بين سجود الوثنيين للأوثان والأصنام على أنها تجسيد للإله، وبين السجود لله المتجسد في صورة البشر؟
يقول "علاء أبو بكر": "س58... ثم ما علاقة عبدَّة النار من المجوس باليهودية بمجيء ملك اليهود؟.. فلو صدقوا بذلك (إن المسيح ملك اليهود) لكانوا من أتباع اليهودية!، ولم نسمع ولم نقرأ ولم يسجل أحد المؤرخين القدماء أن المجوس سجدوا لأحد من ملوك اليهود، فلماذا تحملوا مشقة السفر وتقديم كنوزهم والكُفر بدينهم والسجود لمن يقدح في دينهم ويسبَّ في معبوداتهم" (317).
كما يقول "علاء أبو بكر": "س682: ما الفرق بينكم وبين عُبَّاد الأوثان والتماثيل؟ فهم يعبدون أيضًا الإله الأعظم في صورة التماثيل التي تجسَّد فيها الإله، كما تعبدون أنتم أيضًا الإله المتجسد في صورة بشر متحرك (مخلوق أيضًا)" (318).
ج: 1ــ يتساءل الناقد عن علاقة عبدَّة النار باليهودية وملك اليهود؟.. أنهم من خليقة اللَّه الذي يهتم بجميع خلائقه، فالجميع خُلِقوا على صورته ومثاله، ولذلك مهما بلغ الإنسان في شره فلابد أنك تجد فيه جانبًا طيبًا، وإن كان اللَّه قد اختار إبراهيم ونسله فعرَّفهم طريقه وأودع لديهم كنوزه من الأسفار المقدَّسة، فإنما كان هذا الإختيار مؤقتًا، ثم بنسل إبراهيم، أي المسيح، تتبارك جميع الأمم بلا إستثناء. إذًا اختيار اللَّه لإبراهيم ولشعبه من اليهود كان اختيارًا مؤقتًا كخميرة استخدمها اللَّه فيما بعد لتخمير العجين كله، بل أن هذا الشعب كثيرًا ما ضل وتاه في أودية العصيان وتعرَّض للعقوبات الإلهيَّة، فاللَّه يهتم بشعبه كما يهتم بالعالم كله، وخير شاهد على ذلك أن اللَّه عندما رأى في قلب راحاب بصيص من الإيمان قبلها إليه وضمها إلى شعبه، وهكذا راعوث الموآبية صارت من شعب اللَّه، وكليهما دخل في نسب السيد المسيح، وعندما وجد اللَّه بارقة أمل في نينوى أصرَّ أن يُرسل إليها نبيه يونان فتابت، وعندما تجسَّد أشاد بتوبتها، وأيضًا تعامل اللَّه مع ملوك الأمم، فأعلن تتابع الممالك لنبوخذ نصر من خلال الحلم، وهو ملك بابل الوثني، وأعلن عن اسم كورش قبل ولادته بأكثر من مائة عام، وأخبر أنه سيعيد المسبييّن ويسمح ببناء الهيكل الذي دمره نبوخذ نصر، وعندما جاء كورش ملك فارس قال: " جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا" (عز 1: 2)، واللَّه الذي فعل هذا هو الذي أرسل نجمه لكيما يبشر المجوس بولادة مخلص العالم، وهم إذ تسلموا وصية من جدهم "زرادشت" بما سيحدث وما يجب أن يفعلوه نفذوا الوصية بكل أمانة، مثلهم مثل بني ركاب الذين أوصاهم أبيهم أن يسكنوا في خيام ولا يشربوا الخمر، فالتزموا بوصيته، حتى أن اللَّه بكَّت شعبه بهم، وباركهم (راجع أر 35: 2 - 39).
ومجيء المجوس للمسيح يُعد علامة مبكرة على نصرة المسيح على الشيطان، إذ حوَّل أتباع الشيطان المُضِل إلى شهود للمسيح الملك ومبشرين بميلاده المجيد، والأمر العجيب أنهم بعد أن قطعوا كل هذه المسافات الطويلة ولم يعثروا على المولود في قصر الملك، ولا في بيت أحد الوزراء أو العظماء، لكنهم فوجئوا بوجوده في بيت فقير مع أم بسيطة وشيخ مسن، وبالرغم من هذا آمنوا به ملكًا وإلهًا، فقدموا له أنفسهم قبل هداياهم ولم يشكُّوا فيه، ويقول "متى هنري": " لنتصوَّر كيف انهارت أمالهم، إذ وجدوا أن القصر الملكي الذي كان يُنتظَر أن يجدوه فيه لا يعدو أن يكون مجرد كوخ بسيط، وأن كل حاشيته لا تزيد عن أمه الفقيرة. أهذا هو "مخلص العالم"؟. أهذا هو "ملك اليهود"؟. أهذا هو "ملك ملوك الأرض"؟. نعم هذا هو الذي من أجلنا افتقر وهو الغني. على أي حال فإن هؤلاء المجوس استطاعوا بحكمتهم أن يخترقوا هذا الحجاب ويروا في هذا الطفل المحتقر "مجد ابن وحيد لأبيه"، ولم يخامرهم الشكوك بأنهم قد خُدعوا في بحثهم أو فشلوا في سعيهم، ولكنهم إذ وجدوا الملك قدموا إليه أنفسهم أولًا ثم هداياهم"(319).
2ــ يقول الناقد لم نسمع من المؤرخين القدماء أن المجوس سجدوا لأحدٍ من ملوك اليهود... فهل أطلع الناقد على جميع كتابات المؤرخين القدماء؟!.. بلا شك، لا، فلماذا يقطع الناقد بأن سجود المجوس للمسيح أكذوبة؟!.. ودعنا نعكس السؤال: هل يوجد أي مؤرخ من المؤرخين القدماء نفى وقوع هذه الحادثة؟!.. بلا شك، لا، فلماذا يريد الناقد أن ينفيها معتمدًا على حججٍ واهيةٍ؟!.. ألا يكفي الناقد أن الخبر مدوَّن في الإنجيل الذي يؤمن بأنه نزل من السماء، وأنه يمثل كلمات اللَّه، وهو يؤمن أنه "لا مبدّل لكلماته" (الكهف 18: 27)؟!، ولو افترضنا جدلًا أن هناك مؤرخ أو أكثر نفوا وقوع هذا الحدث - وبالطبع هذا لم يحدث - والإنجيل أثبت الحدث، فأيهما تصدق أيها الناقد؟!
3ــ يقول الناقد أن سجود المجوس لملك اليهود يُعد كفرًا بدينهم، ولو فوجئ الناقد بسجود المجوس للملك المولود كخبر عارض مجرد ربما كان له حق في تساؤله، ولكن عندما يتضح في الإنجيل أن هؤلاء المجوس لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم، ولم يسجدوا للمولود من تلقاء أنفسهم، فلا حق للناقد في تساؤله... لقد تحركوا بناء على نبوءة نطق بها بلعام: " أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ.." (عد 24: 17) فصدقها وآمن بها زرادشت وأوصاهم بما يفعلون، وانبهر المجوس عندما رأوا النبوءة تتحقَّق بكل دقة، وإذ بالنجم الغريب يظهر في المشرق، مسلكه ليس كمسلك بقية النجوم، ضوءه لا يخبو في ضوء الشمس، فتبعوه، وسار لسيرهم وتوقف لتوقفهم، حتى أوصلهم إلى الملك المولود فخروا وسجدوا له، وقدموا هداياهم من عبادتهم وابتهالاتهم، وفرحت قلوبهم بولادة مخلص العالم.
4ــ يدَّعي الناقد أن يسوع المسيح قد قدح دين المجوس وسبَّ معبوداتهم، وهذا لم يحدث قط، ولا يملك الناقد أي دليل أو شاهد يثبت قوله، فهوذا الأناجيل أمامه بطولها وعرضها، فليذكر لنا الناقد أين قدح وسبَّ السيد المسيح المجوس ودينهم. لم يكن المسيح إلهنا شتَّامًا ولم يسبَّ أحدًا قط، فالذي قال: " بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ" (مت 5: 44).. " فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5: 48).. " إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّين" (مت 12: 36).. هل يمكن أن الذي أوصانا بهذه الوصايا المباركة أن يقدح ويذم ويسب؟!.. هل يمكن أن ينطق بكلمات خارجة أو كلمات جارحة؟!
5ــ يساوي الناقد بين عبَّاد الأوثان الذي يعبدون الأوثان والأصنام والتماثيل كتجسيد لآلهتهم وبين عبادتنا للسيد المسيح الإله المتجسّد، وهذا يعكس بصورة بشعة، ضحالة الفكر وسوء النية، لأنه يساوي بين آلهة الأمم وبين الإله الحقيقي الذي تجسَّد من أجل خلاص البشرية، أنه يساوي بين الوهم والخيال وبين الحقيقة، يساوي بين آلهة الأمم التي هيَ من صنع خيال الإنسان، لا وجود لها في أرض الواقع، مثل بعل زبول وعشتاروت وتموز وأرطاميس وسيرابيس... إلخ وبين الإله الواحد خالق السموات والأرض المتجسـّد من أجل خلاص جنسنا، وأيضًا يساوي الناقد الأوثان والتماثيل والأصنام سواء من ذهب أو فضة أو حجر وبين يسوع المسيح، يساوي بين المادة وبين الإنسان!!، ولا يدرك أيضًا أننا لا نعبد يسوع المسيح كتجسيد للإله، إنما نعبده لأنه هو بالحقيقة الإله المتأنس... لا نعبده كإنسان تأله إنما نعبده كإله تأنس، وإن كان الناقد لا يستوعب هذا فلنحاسبه بحسب معتقده، فهو يؤمن بأن المسيح عيسى ابن مريم هو كلمة اللَّه وروح منه، الوحيد الذي وُلِد بدون زرع بشر، القدوس الذي لم يذكر له القرآن خطية قط، الخالق الذي خلق من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصار طيرًا، الديان الذي سيدين المسكونة في اليوم الأخير ويحاسب كل واحد كحسب أعماله فيكافئ الأبرار ويجازي الأشرار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فهل يصح بعد هذا أن يساويه بالأوثان والتماثيل؟!!
_____
(317) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص72.
(318) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص344.
(319) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص 39 ، 40.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/204.html
تقصير الرابط:
tak.la/db8zg67