س203: كيف صدَّق المجوس هيرودس؟ وكيف تركهم هيرودس يمضون دون أن يرسل معهم أحد من أتباعه، بالرغم من أنه كان كثير الشك والهواجس والحساسية المفرطة تجاه عرشه؟
يقول "علاء أبو بكر": "س58... يقول باركلي في تفسيره لإنجيل متى ص32 { لكن هيرودس الكبير... كان يفتقر إلى الاتزان في شخصيته، فقد كان كثير الهواجس والشكوك، وكانت هذه هيَ نقطة الضعف فيه التي أخذت تتزايد إلى حد بشع لا يُحتمل، كلما تقدم به العمر، وكان إذا دخله شك في أي فرد ينافسه في سلطانه. أزاله من أمامه، أو قتله بلا تردد... }.
وفكر معي باللَّه عليك، هل إنسان بهذه الشخصية يصارحه المجوس أنهم آتوا ليسجدوا لملك اليهود، ويثق فيهم دون أن يعرفهم، ويتركهم دون أن يُرسِل نفرًا من حراسه لتتبعهم، أو يُرسِل أحد أتباعه الموثوق بهم ليأتي بهذا الغلام؟" (316).
ج: 1ــ جاء المجوس من بلاد بعيدة، وكانت اهتماماتهم بالحكمة والفُلك أكثر من السياسة الداخلية والخارجية، وبالتالي فهم لا يعرفون شخصية هيرودس المضطربة وهواجسه، فعندما وصلوا إلى أورشليم سألوا بحُسن نية عن قصر الملك ودخلوا يسألون عن ملك اليهود، لأنهم ظنوا مادام أن المولود الذي يبحثون عنه ملك، فلابد أن يكون قد وُلِد في قصر الملك، ولكن خابت أمالهم إذ لم يجدوا ضالتهم المنشودة، وعلم هيرودس الثعلب الماكر الخبر واستمع إليهم مُظهرًا حُسن النوايا، وهم لا يدرون أنهم أمام مُحتال كبير، وقد أبدى رغبته في مساعدتهم لأداء المُهمة المقدَّسة التي جاءوا من أجلها، حتى أنه استدعى جميع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يُولَد المسيح؟ وتوحدت إجابتهم جميعًا إذ أكدوا أن المسيح ابن داود يُولَد في مدينة داود، وهيَ بيت لحم، كما أكدوا إجابتهم بنبوة من العهد القديم قيلت بفم ميخا النبي (مي 5: 2).. شعر المجوس بالراحة والطمأنينة تجاه هذا الثعلب الماكر الذي أكرم وفادتهم، حتى أنهم لم يشكوا قط في صدق نواياه، وصدَّقوه أنه يريد أن يسجد لهذا الملك المولود الذي ظهر نجمه في المشرق، ولو عرفوا نيته الشريرة فربما عادوا أدراجهم إلى بلادهم، وربما أستكملوا مسيرتهم في خوف ورُعب، وبذلك يكونون سبب نكد وغم وكأنهم رُسل الموت عوضًا أن يكونوا سبب فرح وعزاء... صدَّقوا الثعلب الذي أوصاهم: " اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَـنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ" (مت 2: 8)، وأمام اهتمام هيرودس وهمته إبتلع المجوس البسطاء الطُعم، ووضعوا في أنفسهم أنهم يعودون إليه، ولاسيما أن المسافة لا تتعدى الساعتين من أورشليم إلى بيت لحم سيرًا على الأقدام.
2ــ ثقة هيرودس الكبيرة في حيله وخططه وذكائه ودهائه جعلته يثق في هؤلاء المجوس البسطاء، ولذلك لم يفكر أن يُرسِل معهم بعض جنوده، ولو بزعم حمايتهم في الطريق، بل تركهم يمضون واثقًا أنهم سيعودون، ولو أن الأمور سارت بطريقة طبيعية كان سيصدُق تخمين هيرودس. وغالبًا مضى المجوس من قصر هيرودس في عصر النهار ولم يرجعوا في نفس اليوم، وهيرودس مطمئن أنهم سيقضون ليلتهم احتفالًا بالمولود ملك اليهود، وربما بحكم الضيافة قد يقضون يومًا أو يومين، وعندما طال غيابهم عدة أيام شعر بالقلق، لأنه كان يضمر قتل الصبي سرًّا، حتى لا يثير مشاعر اليهود، وكان هيرودس يسعد بإرتكاب جرائمه سواء في السر أو في العلن إذا أُضطر لذلك، فعندما علم أن زوجته "مريمن" اتصلت بالملكة كليوباترا ملكة مصر لتجعل أنطونيو يضغط على هيرودس ليعين شقيقها أرسطوبولس الثالث رئيسًا للكهنة وعمره ستة عشر عامًا، فما كان من هيرودس إلاَّ أنه أغرقه في حمام السباحة، وادعى أنه مات في حادثة غرق مؤسفة، وبكاه مع الباكين، وعندما شعر هيرودس أن زوجته مريمن وأمها الكسندرا يعرفان الحقيقة ويتآمران عليه أمر بذبحهما، وهذا ما كان سيفعله مع الملك الوليد، ولكن إذ تدخلت السماء، وأُوحي للمجوس أن لا يرجعوا إلى هيرودس، رجعوا في طريق آخر.
_____
(316) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص74.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/203.html
تقصير الرابط:
tak.la/y9dv8hv