س123 : هل يمكن إعطاء أمثلة حيَّة لأهمية وضرورة تنقيح الترجمات العربية القديمة؟
ج: لكيمـا نلمس أهمية وضرورة التنقيح نستعرض مثلين من الترجمات العربية القديمة:
فقد قامت الباحثة "جوزفين إبراهيم نصر" بدراسة وتحقيق مخطوطة لإنجيل لوقا مسجَّعة، ترجع للقرن التاسع الميلادي، وقام بنشرها مركز التراث العربي المسيحي للبحث والتوثيق والنشر سنة 2001م بيروت - توزيع المكتبة البولسية جُونيه. فقد حصلت هذه الباحثة المُجِدة على هذا المخطوط من "الأب سمير خليل اليسوعي" المهتم بالمخطوطات العبرية، وهذا المخطوط يخص إنجيل لوقا مقسَّم إلى 22 أصحاح فقط (عوضًا عن 24 أصحاح)، وأجرت دراستها بمقارنة هـذا المخطــوط بثلاث مخطوطــات أخـرى، مخطــوط ليــدن (Leiden) شرقي 2378، وسافرت إلى روما فأمضت أكثر من شهر للحصول علـى صورتين من المخطوطين الآخريـن، وهمــا : فاتيكان عربي 18 (VAT. AR, 18)، وفاتيكان عربي 17 (VAT. AR. 17):
1ـــ
مخطوط ليدن شرقي 2378 "أ"
2ـــ مخطوط فاتيكان بي 18 "ب"
3ـ مخطوط فاتيكان عربي 17
"جـ"
يحوي إنجيل لوقا، من أعمال هولندا، وطول المخطوط 15 سم، وعرضه 12 سم، وعدد أوراقه 51 ورقة، وعدد الأسطر في كل ورقة 19 سطرًا، وعدد كلمات كل سطر يتراوح بين 8، 9 كلمات، وكُتب المخطوط بخط نسخي جميل وواضح، باستثناء بعض الكلمات التي طُمست معالمها، والمخطوط مقسَّم إلى 22 أصحاح، والأصحاح الأول تنقصه الورقة الأولى، ويبدأ المخطوط بـ : " بسم الله الرحمن الرحيم "، وجاء في مقدمة الإنجيل: "سجل الإنجيل المبين آيات للناظرين.
ورحمة للمصدقين... باليقين.
من آمن من السامعين.
وتسبيحًا لله في عليين.
وعلى الأرض سلام آمين.
ورجاء صالح للعالمين.
وإيمانًا بالآب والابن والروح القدس ومسلك لمن اهتدى إلى جنان المعلى على ألسن الرسل الأتقياء متى ومرقوس ولوقا ويحيى المنتخبين... "(885).
يبــدأ أيضًا هذا المخطوط بـ "﷽"، وطـول المخطوط 18 سم وعرض 15 سم، وعدد الأوراق 94، وعدد الأسطر في الورقة الواحدة 9، وعدد الكلمات في السطر يتراوح بين 9 - 11 كلمة، وكُتب المخطوط بخط نسخي رديء للغاية، ونوع الورق المستخدم سميك وسيئ، وجمعت كل خمس ورقات منه بخيط قنب غليظ، وجوانب الأوراق مهترئة وأعيد ترميمها، والغلاف من الجلد الأسود القديم، ولا يوجد بالمخطوط علامات الوقف، والنحو (الأعجام) مفقود، والمخطوط غير مرقَّم، غير أنه وضعت عليه أرقام فيما بعد باللغة القبطية أعلى يسار كل صفحة، وجاء في نهاية المخطوط: "تم كَتْبْ إنجيل لوقا في رجب سنة ثلث وثمانين وثلثماية ولله الشكر على نعمايه 383 هـ".
بدأ كذلك بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم". طول المخطوط 17 سم وعرض 14 سم، يتكون من 97 ورقة، وعدد الأسطر في الورقة 9، وعدد الكلمات يتراوح بين 8 ـ 11 كلمة، كُتب المخطوط بخط نسخي سيء جدًا، وكلمات كثيرة منه مطموسة، وكُتب على ورق سميك وسيئ، جمعت كل خمس ورقات بخيط قنب غليظ، وجاء في آخِر المخطوط: "وكتب حَمَدْ ابن علي حامد لمدرسة القسطنطينية في شهر آب سنة ستّ ألف وخمس ماية وسبعة عشر للعالم 6517 وسنة 1009م".
والآن نستعرض مثلين من الترجمات العربية القديمة:
المثل الأول: نورد هنا ثلاث ترجمات لجزء من الأصحاح الأول لإنجيل لوقا، وهيَ:
(1) ترجمة المخطوط قيد البحث الذي يرجع للقرن التاسع الميلادي، والذي قامت الباحثة جوزفين إبراهيم نصر بتحقيقه، فجاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الإنجيل الطاهر بشارة لوقا
1ـــ كان أيام الهيرود الملك على يهود، كاهن يُدعَى زكريّا،
2ـــ من نابيَة بني أبيَّا،
3ـــ وامرأته أليشَبَعُ من بناتِ هارون وكل منهما / كان عند الله نقيًّا،
4ــ ومحافظًا على سُننِهِ، وبألاَّ يُلام في مَعْدَلَتِه وفيًّا،
5ــ وما كان لهما ابن، إذ إليشَبَع عاقر، وقد بلغا من الكبر أمدًا قصيًّا.
6ــ وبَيْنَا هو في تكْهنتِه، على عادةٍ من أكهانٍ، إذْ رهبتهُ، إبَّانَ المَجْمَر الأرجِ، رهقًا وجيًّا.
7ــ فدخل هيكلًا للربّ، والأُمةُ مصلّية من ورائهِ، في وقت نَشْرِ الطّيبِ دخول رضيًّا.
8 - فتراءى له المَلكُ قائمًا، في مِحْرَابِ البخُورِ عن يمينهِ، فارتاع لرؤيتهِ منزعجًا،
9ـــ وكان هرعُ / أنصبَّ عليه حَرِيًّا.
10ــ قالَ : لا تخفْ يا زكريَّا،
11ـــ فقد قُبلتْ منكَ صلاة كنتَ بها مُصلّيًّا،
12ـــ وستلدُ / لك امرأتكَ / ابنًا، تسميه يحيى فتقرُّ به عينًا، وتجذلَ مليًّا.
13ــ ويبهجُ بولادهِ الأكْثَرُونَ، ويكونُ عند الله وليًّا زكيًّا.
14ــ وليس بشاربٍ خمرًا، ولا ما يُسكِرُ من سُكْرٍ، وأن الملآنُ من روح القدس، مُذْ كانَ بين شغافِ أُمّ كميًّا.
15ــ ويُقبلُ بنَفَر من بني إسرائيلَ إلى طوعِ الربّ إلههم، إذ يسلكُ أمامهُ بالروحِ، والقوةِ التي كان بها إلياسُ نبيًّا.
16 - وكي يعطفَ بقلوبِ الأباءِ على الأبناء، ويهدي من كان عصيًّا"(886).
(2) ترجمة "عبد يشوع الصوباوي" أسقف نصيبين وأرمينيا النسطوري سنة 1300م، حيث ترجم مقاطع من الأناجيل تُتلى أيام الآحاد والأعياد والأصوام، وجاء فيها: "كان في أيام هيروديس ملك يهوذا كاهن بزكرّيا يُسمى، من خدمة آل أبيَّا الكبرى، وامرأته من بنات هارون أخي موسى. وكانت بإليشبع تُدعى.
وكان كلامها أمام الله على تُقيَ،
سائرين بجميع أوامره التي أوصىَ.
وبمعدلة الرب من غير لوم وعتبىَ.
وما كان لهما ابن يُرجى، لأن إليشبع عُقرت منذ الصبا.
وقد أسنَّا أثناهما وبلغا من الكبر أمدًا أقصى.
فبينما زكريا مكهّن على رسم خدمته في عادة الكهنوت أمام الله تعالى.
إذ نابه مناب لنشر الطيب ووافى.
فدخل هيكلًا للرب العلي.
والأمة بأسرها والشعب الأهدى،
كان مصليًّا وراؤه في ميقات البخور الأذكى.
فتراءى لزكريا ملك الربّ أن تجلى
قائمًا عن يمين محراب البخور والمغنى.
فارتاع زكريا لمرآه الأسنى.
وغشية الرعبُ وعاد يخشى.
قال له الملك الأبهى
لا خوف عليك يا زكريا فلا تخشى.
بما يُوحى لأن صلاتك قد قبلت وسمعت في الملأ الأعلى.
وستلد لك امرأتك إليشبع ابنًا أذكى.
وتدعو اسمه يحيى.
ويشملك الفرح والمسرة العظمى.
ويبهج الأكثرون بمولده الأهنى.
فأنه يكون أمام الرب أعظم أسمى.
وليس بشارب خمرًا ولا مسكرًا أغوى.
وأنه الملآن من روح القدس منذ كان كميّا في بطن لأمه والحشى.
ويردُّ الأكثرين من بني إسرائيل إلى طوع الربّ إلههم والهدى.
وهو يسير أمامه في المسرى.
بالروح الأيد الذي حلّ على إيليا النبي الأتقى،
ليعطف أفئدة الآباء على الأبناء بالرضى"(887).
(3) ترجمة "أبو المواهب يعقوب ابن نعمة بن بطرس بن أبي الغيث الدبسيّ" الماروني، الذي وُلِد في حلب، وعاش في طرابلس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكتب مخطوطة سنة 1691م، وله ثلاث مخطوطات لا فرق بينها، الأولى في مكتبة المطرانية المارونية في حلب تحت رقم (14)، والثانية في المكتبة الشرقية في بيروت تحت رقم (232)، والثالثة في المكتبة الوطنية في باريس تحت رقم عربي (85)، وجاء فيه:
"كاهن في أيامِ هيرُودُوس ملكِ يهوذا كان يُسمَّى بزكريّا من خدمةِ آل أبيّا. وامرأتهُ من بناتِ هارونَ. وكانتْ تُدعَى بأليشَبَعْ. وكانا كلاهما أمام الله على تُقىّ. سائرين بجميعِ أوامِره التي أوْصا (أوصى). وبمعدلةِ الربَ من غير لومٍ. ولم يَكُنْ لهما ولد لأن أليشَبَعَ عَقَرَتُ منذُ الصبا. وكانا قد أسنَّا أثناهما. فبينما زكريـا مُكهّن على رسمِ خدمتِه أمام الله في عادة الكهنوت، إذ نابهُ مناب لنشرِ الطيبِ. فدخـل هيكلَ الربّ والشعبُ بأسرِه كان مُصلّيًا ورأه (وراءه) في ميقاتِ البخورِ. فتراءى له مَلكُ الربّ قائمًا على يمين محرابِ البخُور. فارتاع زكريا لمرآه وغشيهُ خوف عظيم. فقال له المَلَكُ لا خوفَ عليكَ يا زكريا. لأن صلاتكَ قد قُبلتْ، وستلد لكَ امرأتكَ أليشَبَعُ ابنًا. وتدعُو اسمه يُوحنا ويشملكَ الفرحُ والمسرةُ العظمى ويبهجُ الأكثرونَ بمولده. فأنه يكون عظيمًا أمام الرب. وليس بشاربٍ خمرًا ولا مسكرًا وأنهُ لملآنُ من رَوحِ القدُس منذ كان كميًّا في أحشاء أُمهِ. ويرُدُّ الأكثرين من بني إسرائيل إلى الربّ إلههم وهو يسيرُ أمامه بالروح والأيدِ الذي حلَّ على إيليا ليعطف أفئدة الآباء على الأبناء"(888).
ومن أبسط الملاحظات أنه كلما تقدم الزمن، كلما صارت اللغة أكثر وضوحًا وفهمًا وسلاسة بالنسبة لنا، وكلما اختفت المفردات المُبهمة والغامضة، وكلما صار النص أكثر قربًا للنص الذي بين أيدينا، وخلال هذا التطوَّر اللغوي ظل المعنى واحدًا دون أدنى تغيَّر.
المثل الثاني: وفيه نورد ما جاء عن مَثَل الزارع وأيضًا السراج المضيء في المخطوط قيد البحث، في القرن التاسع الميلادي، فجاء في الأصحاح الثامن:
" 1ـــ واجتمعت الجموع من المدائنِ، وكانت صائرة إلى عيسى / وهو يخاطبها / بالأمثال،
2ـــ قال: "لقد خرج الزارع ليزرع زرعه. فلما زرع كان منه الذي سقط على سَنَنِ المحال،
3ـــ فإذا هو مدوُس، والطيرُ أكَّال.
4ـــ ومنه ما وقع على عرارٍ، فنبت بإعجال،
5ـــ وإذ عدم نُدُوَّةً، آضَ إلى جفاف. ومنه ما... ركدَ بينَ القَتَاد، فكان له معه نبات، إذا هو خانقهُ في الحال.
6ـــ... ومنهُ الذي كان له انثيال.
7ــ في أرضٍ طاب ثراها ونضرتْ، فنشأ، وأثمرَ، وكان له أضعاف فعن واحدٍ ماية في كمال.
8ـــ وبينا هو في الكلام، إذ أفصح بالمقال:
9ـــ "من كان له مسمعانِ، فليصغِ إلى سماع". وهو من حواريَّته في سؤال.
10ـــ قالوا : "ما هذا المثل عن بيان؟".
11ـــ قال: "لقد أُعطيتم أن تعلموا سر ملكوت الرحمن،
12ـــ فأما الآخرونَ فإنما تضربُ لهم الأمثال،
13ـــ حتى إذا ما أبصروا، كانوا كالذين ما من أبصار،
14ـــ وإذا سمعوا / فما رجعوا إلى إفهام.
15ـــ وهذا تأويل المثل في الأنام:
16ـــ فالزرع كلام الله، وما كان على قارعة المجاز
17ـــ فالذين إذا استمعوا كلمةً جاء عدوهم فنزعها من سويداء قلوبهم، كيلا يؤمنوا، فيتظاهروا بالبقاء.
18ــــ وما كان على المَعْرَاء.
19ـــ فالذين إذا ما سمعوا كَلِمًا، ثقفوه بالبهجة والسرَّاء،
20ـــ وما له من ثَوَاء.
21ـــ وآمنوا في الوقتِ، وهم متى عَرَتِ البلوى على شكِ الآباء.
22ـــ وما وَقَعَ في / سُلاء،
23ـــ فشاكلهُ / الذين إذا سمِعُوا الكلمة، كانوا في الكُلفِ والثرَّاء
24ـــ وشهوات الدنيا على خنقِ وارداء،
25ـــ وما هم من ثمرٍ في رجاء.
26ـــ والذي كان في الطيب من البَطْحَاء،
27ـــ فهم الذين لهم قُلوب من الصَلْحَاء،
28ـــ فهم بها يسمعونَ، ويحفظونَ، وثمارهم بما صبروا، في إتاء.
29ـــ ما من أحدٍ أنار قبسًا لضياء.
30ـــ فكَمَأهُ بالاختباء.
31ـــ في غاشية الوعاء،
32ـــ ولا تحتَ سُرُرٍ لغطاء،
33 - لكن فوق منارٍ للعلاء،
34 - وكان به يُورى لمن وَلَجَ من الدخلاء.
35 - وما من شيء كُتِمَ إلاَّ كان في العراء،
36ـــ ولا ما سُتِرَ إلاَّ ظَهَرَ من خَفَاء.
37ـــ يا أيها السمعاء
38 - انظروا بلا / أغضاء!
39 - فمن كان مُموَّلًا زيد من العطاء.
40 - ومن لا شيء له من جداء فما ظن أنه هو له، فسيسلبه بلا إملاء"(889).
_____
(885) دراسة وتحقيق مخطوط لإنجيل لوقا ص 98.
(886) أوردته جوزفين إبراهيم نصر - دراسة وتحقيق مخطوط لإنجيل لوقا ص 100، 101.
(887) أوردته جوزفين إبراهيم نصر - دراسة وتحقيق مخطوط لإنجيل لوقا ص 102 - 104.
(888) أوردته جوزفين إبراهيم نصر - دراسة وتحقيق مخطوط لإنجيل لوقا ص 105، 106.
(889) أوردته جوزفين إبراهيم نصر - دراسة وتحقيق مخطوط لإنجيل لوقا ص 210 - 213.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/123.html
تقصير الرابط:
tak.la/9dkp332