تقديم
سفر القضاة هو السفر الوحيد الذي يخبرنا عن حياة بني إسرائيل من موت يشوع إلى موت شمشون، فهو ثاني الأسفار التاريخية بعد سفر يشوع، ويعرض لحياة شعب الله بعد أن أدخلهم يشوع أرض كنعان، وقسم الأرض عليهم، وقد حذرهم من الارتداد عن عبادة الله الحي، ولم تكن كل الأرض قد تطهرت من كل سكانها من الأشرار، فكان أمام الأسباط رحلة جهاد لامتلاك ما يخصها من الأرض بحسب ما قسَّم يشوع عليها، ولكن هذه الأسباط فضَّلت الخلود للراحة والتراخي، وتركت شعوب الأرض بمدنهم وحصونهم، فسكن الفلسطينيون ساحل البحر من الجنوب، وكانوا قومًا أشداء في الحروب، يحتكرون صناعة الحديد، وسكن الصيدونيون ساحل البحر من الشمال، وهم من المحاربين الأشداء، وسكن الحثيون في الشمال وشغلوا معظم جبل لبنان، وانتشر الأموريون والكنعانيون في الأرض، وسكن اليبوسيون في أورشليم.. وهلم جرا.
وأكثر من هذا أن شعب الله المقدَّس اختلط بهذه الشعوب الوثنية، وتصاهروا معًا، وتأثروا بعباداتهم النجسة " فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزّيين والحِوّيين واليبوسيين. وإتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم. فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري" (قض 3: 5 - 7) لقد وصل الشعب المقدَّس لحالة من الارتداد والانحدار والتردي، وسقطوا في كل من الزنا الجسدي والزنا الروحي، فمن جهة " الزنا الجسدي " وصل إلى حد أن يفتاح قاضي إسرائيل كان " ابن امرأة زانية" (قض 11: 1) وشمشون سقط في تلك الخطية البشعة (قض 16: 1) وظهرت بشاعة هذه الخطية بالأكثر في اغتصاب أهل جبعة لسرية اللاوي حتى فارقت الحياة (قض 19) كما سقط الشعب في " الزنا الروحي " أي عبادة الأوثان يقول الكتاب " وزنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها" (قض 2: 17).. " وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتاروت وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه" (قض 10: 6) وانتشرت الأصنام في بيوت بني إسرائيل كما كان في بيت ميخا وسبط دان (قض 17: 61، 18: 27 - 31) وكل هذه المآسي نجمت من عدم طاعة الشعب للوصية الإلهيَّة " لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم. ولا تصاهرهم. بنتك لا تعطِ لإبنه وبنته لا تأخذ لإبنك. لأنه يرد إبنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعًا" (تث 7: 2 - 4) ويذكر سفر القضاة أن بني إسرائيل " عملوا الشر في عيني الرب " سبع مرات، وفي كل مرة كانوا يتوبون ويصرخون للرب فيرسل لهم قاضيًا ويعضّده فيخلصهم.
لقد أدب الرب شعبه بذات الشعوب التي آنسوا إليها وأحبوها وصاهروها وعبدوا آلهتها، فجاءت عليهم الغزوات من كل حدب وصوب، غزوات من الشرق من كوشان رشعتايم ملك ما بين النهرين لمدة ثمان سنوات حتى خلصهم عثنيئيل، وغزوات من الجنوب الشرقي من عجلون ملك موآب لمدة 18 سنة، حتى خلصهم أهود بن جيرا، وغزوات من الشمال من يابين ملك حاصور لمدة 20 سنة، حتى خلصهم باراق مع دبورة، وغزوات من الشرق من المديانيين لمدة سبع سنوات، حتى خلصهم جدعون، ومن العمونيين لمدة 18 سنة، حتى خلصهم يفتاح، وغزوات من الجنوب الغربي من الفلسطينيين لمدة 40 سنة، حتى كسرهم داود الملك (راجع القمص مكسيموس وصفي - دراسة في سفر القضاة ص 39).
وقد تحقَّق في سفر القضاة الإنذار الإلهي لبني إسرائيل " إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه.. يجعلك الرب منهزمًا أمام أعدائك.. تبني بيتًا ولا تسكن فيه. تغرس كرمًا ولا تستغله. يُذبح ثورك أمام عينيك ولا تأكل منه. يُغتصب حمارك من أمام وجهك ولا يرجع إليك. تُدفع غنمك إلى أعدائك وليس لك مخلص.. ثمر أرضك وكل تعبك يأكله شعب لا تعرفه.. تُستعبد لأعدائك الذين يرسلهم الرب عليك في جوع وعطش وعري وعوز كل شيء. فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك" (تث 28: 15 - 48) كما يحكي لنا السفر قصة الخلاص المتكررة " وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب فأقام الرب مخلصًا لبني إسرائيل فخلصهم. عثنيئيل" (قض 3: 9).. " وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب فأقام لهم الرب مخلصًا أهود بن جيرا" (قض 3: 15) وهذا ما حدث مع جدعون أيضًا " فالتفت إليه الرب وقال أذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان" (قض 6: 14).. إلخ..
وفي هذا السفر دعنا يا صديقي نتعرَّف على حياة اثني عشر قاضيًا من أبطال الإيمان رغم إمكاناتهم المحدودة، فشمجر لا يملك سلاحًا، وكل ما بيده منساس البقر، وأهود رجل أعسر، وجدعون لم يكن معه غير 300 رجل يحملون الجِرار والمصابيح والأبواق ويتصدون لجيش مديان الجرار، وشمشون ليس بيده إلاَّ لحى حمار، ودبورة امرأة.. إلخ ولا يخفي السفر ضعفات بعض هؤلاء القضاة، فباراق يخشى الحرب بدون أن تكون دبورة معه، وجدعون يسقط في عبادة الأوثان، ويفتاح يقدم إبنته ذبيحة بشرية، وشمشون يركع أمام الشهوة.. إلخ ومع هذا التردي فأنه ظلت بقية أمينة للرب تمارس عبادتها، فخيمة الاجتماع قائمة في شيلو، والخدمات الطقسية تُقام (قض 18: 31، 19: 18) ورئيس الكهنة مع الكهنة يهتمون بتابوت العهد (قض 20: 27، 28) والذبائح تُقدم للرب (قض 13: 5 - 23، 21: 4) والختان يُمارس (قض 14: 3، 15: 18) وهناك اهتمام بالعيد السنوي (قض 21: 19) والنذور (قض 11: 30).
وفي هذا الباب الثاني نجيب على أسئلة النقد الكتابي الخاصة بسفر القضاة من خلال الفصول الآتية:
1 | الفصل الأول: تمهيد (الأسئلة من 975-980) |
2 | الفصل الثاني: مقدمة السفر (قض 1، 2) (الأسئلة من 981-990) |
3 | الفصل الثالث: عصر القضاة (قض 3-16) (الأسئلة من 991-1038) |
4 | الفصل الرابع: مدى الفساد الذي ساد (قض 17-21) (الأسئلة من 1039-1050) |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/index8b.html
تقصير الرابط:
tak.la/dddayj8