عندما فتح " مارتن لوثر " الباب للتشكيك في قانونية بعض الأسفار المقدَّسة فتح الباب للطعن في عصمة الكتاب المقدَّس، فيقول " صموئيل كريج".. " بينما قبل كلفن الكتاب بكل أجزائه باعتباره كلمة الله، فإن لوثر تردد في اعتبار رسائل يعقوب، ويهوذا، والعبرانيين، وسفر الرؤيا على نفس مستوى الوحي والعصمة مع سائر كتب العهد الجديد والعهد القديم" (1) ولقد شكَّك أصحاب " مدرسة النقد الأعلى " في العصمة الكاملة التامة للكتاب المقدَّس، وإقتنع بفكرهم الكثيرين.. فهل أدرك هؤلاء وأولئك أن أي شك في عصمة الكتاب المقدَّس، إنما يقود وبالضرورة للشك في الله ذاته صاحب هذا الكتاب..؟!! ألم يكن من الأفضل لهم، عوضًا عن أن يقيموا من أنفسهم قضاة، يحكمون على الكتاب المقدَّس ومدى عصمته، إنهم يخضعون لصوت الحق فينالون خيرًا جزيلًا؟!!.
ويقول د. أميل ماهر " فالبعض يعتبر الكتاب المقدَّس مجرد كتاب بشري يعبّر عن الخبرة الروحيـة لكاتبيه، والبعض الآخر يرى أنه كتاب يتضمن كلمة الله، ولكنه ليس هو كلمة الله.. ويقولون أنه مجرد كتاب بشري يستطيع الله متى شاء أن يجعله كلمته في لحظة اختراقه للنص للالتقاء بالشخص القارئ، وهؤلاء لا يؤمنون بعصمة الكتاب المقدس ولا بسلطانه، ويعاملونه كأي كتاب آخر ويسمحون لأنفسهم بانتقاده. فالبعض يرى فيه أساطير وحكايات عن خوارق معجزية فائقة الطبيعة بهدف نقل حقائق روحية. وهؤلاء يرون أن وظيفة المفسر هي تجريد النص وتعريته تمامًا من كل ما يعتقدون أنه تزيينات أسطورية، سعيًا وراء الحقيقة الروحية. ومنهم من يتطرفون إلى حد إنكار المعجزات تمامًا أو إمكانية الأنباء بأمور مستقبلية فيرفضون النبوءات وتفسيرها. ومنهم من ينكرون وجود الملائكة والشياطين وسائر الأرواح، ويرفضون كل النصوص الكتابية التي تثبت ذلك، حتى لو وردت على لسان المسيح. ومنهم من ينكرون قيامة الموتى والدينونة بكل إصرار.. أنهم هراطقة يحذرنا الكتاب من الانقياد إلى ضلالهم..
وهناك من يرفضون العهد القديم بكامله، ويقولون عن الشريعة الموسوية أنها شريعة الغاب، ولا يمكن أن تكون وحيًا إلهيًا. بل وحتى في العهد الجديد يطالبون بالتميّيز وعدم الخلط بين أقوال الرب وأقوال تلاميذه لأنهم كانوا بشرًا ولهم نقائصهم وسقطاتهم، ولهذا الغرض يطبعون كلمات المسيح وحدها في العهد الجديد باللون الأحمر.
ولا يتوقف الأمر عند البعض إلى هذا الحد، وإنما إذا لم يجد كلمات الرب يسوع موافقة لفكره البشري تشكك في صحة نسبة هذه الأقوال إلى الرب. وحتى إذا سلَّم جدلًا بذلك فإنه يقول أن الرب قال هذا الكلام بما يلاءم معاصريه في القرن الأول، ولو أنه عاش في جيلنا لقال كلامًا مختلفًا. بل وصل التجديف إلى درجة أن قال أحدهم، وهو سملر -أبو المذهب العقلاني في تفسير الكتاب- أن المسيح والرسـل كيَّفوا ذواتهم وطوَّعـوا أفكارهم لتنسجم مع الأفكار الخاطئة لمعاصريهم" (1).
ونناقش في هذا الفصل بعض الآراء الخاطئة في مفهوم عصمة الكتاب المقدَّس، فقـد ظن البعض أن الأخطاء الشخصية للكتَّاب تنفي العصمة عن كتابتهم..
وظن البعض أن عصمة الكتاب تشمل الأمور اللاهوتية العقائدية فقط، ولا تشمل الأمور الأخرى مثل الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية.. إلخ.
وظن البعض أن كلمات الكتاب المقدَّس لا تزيد عن كونها كلمات بشرية، وتصبح إلهية فقط عندما يستخدمها الله لهدف معين في بناء حياتنا الإيمانية والروحية..
وسنعرض في هذا الفصل أيضًا لبعض الأخطاء التي هوى إليها أصحاب مدرسة النقد الأعلى في مفهوم العصمة، وستتعجب يا صديقي من موقف بعض الكنائس البروتستانتية التي لم تقتنع بوحي وعصمة الكتاب المقدس.. لقد وقف هؤلاء النقاد كلٍ يمسك معوله الصغير محاولًا هدم الهرم الأكبر، ولكن هيهات لهم ذلك، فإن معاولهم ستعيى، وقرونهم ستتحطم، أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/index2b.html
تقصير الرابط:
tak.la/45sz9jx