ج: 1- كان السحر والعرافة منتشران بين الأمم الوثنية، بل ممتزجان بعباداتهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولذلك جاءت الوصية صريحة وواضحة وقاطعة " لا تتفاءلوا ولا تعيفوا... لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتتنجسوا بهم" (لا 19: 26، 31) فهنا الوصية تُحمّل الإنسان المسئولية، فالإنسان بإرادته هو الذي يسعى للجان لتحقيق مكاسب مادية، وشدَّد الله على هذه الوصية فقال " لا يوجد فيك... من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر. ولا من يرقى رُقية ولا من يسأل جانًّا أو تابعة" (تث 18: 10، 11) ودعى الله الإنسان للالتزام بأحكام الشريعة " وإن قالوا لكم أطلبوا إلى أصحاب التوابع والعرافين المشقشقين والهامسين... إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" (أش 8: 19، 20) فالذي كان يخالف الوصية ويلجأ إلى الجان والأرواح الشريرة مستهينًا بالوصية الإلهية كان يستحق العقاب الإلهي " وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فأنه يُقتل بالحجارة يرجمونه دمه عليه" (لا 20: 27).
2- الذي فيه جان كان يدَّعي معرفة الخفيات والمستقبل كما كانت جارية فيلبي التي كان بها روح عرافة " وكانت تكسب مواليها مكسبًا كثيرًا بعرافتها" (أع 16: 16) فالإنسان في هذه الحالة كأنه يقيم نفسه مكان الله، ولهذا كان يجب حسم الموضوع، فأمرت الوصية بقتله، فهو الذي عرض نفسه للقتل بما أرتكبه.
3- كانت العقوبات في العهد القديم قاسية ليس بسبب عدم محبة الله لشعبه، ولكن لأن قلب الإنسان كان قاسيًا، وحرصًا من الله على خلاص شعبه ومحبته لهم كان يعاقبهم، رغبة منه في إنقاذهم من الهلاك الأبدي.
4- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " والرب في قوله (لا تلتفتوا إلى الجان) أي لا تأبهوا بها أو تلجأوا إليها أو تقدروا عملها لأن الشيطان لا يمكن أن ينفع البشر بل بالعكس يستعبدهم ويجتذبهم إلى طاعته والاتكال عليه. (ولا تطلبوا التوابع) أي لا تطلبوا مساعدة الشياطين أو مشورتها. والنص الإلهي يقصد به البعد عن جميع أعمال السحر بكل صورة مثل استشارة الموتى ورصد النجوم ورؤية الحظ في الكف أو الفنجان وتحضير الشياطين وما إلى ذلك. لأن كل هذه تُصرف الإنسان عن عبادة الله والاتكال عليه وتجعله يطلب المعونة من الشيطان عدو الخير"(2).
كما يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " كان عقاب من به جان أو عرافة القتل رجمًا بالحجارة لأنه كان يُعثر الناس ويضللهم بصرفهم عن الاتكال على الله والالتجاء إلى الشيطان، والواقع أن الالتجاء إلى الشيطان هو ثقة فيه وخضوع له. وبالتالي فهو عبادة أوثان وشرك بالله الواحد (دمه عليه) أي هو المسئول عن ذنبه لأنه يضلل الناس"(3).
5- يقول الشماس الدكتور حمدي صادق " إن كان في رجل جان أو تابعة وكذلك أي امرأة تُرجم، وهذا بالطبع لا يسري على من يصاب بالشيطان عرضًا كالحالات التي أخرجها السيد المسيح، لكن هذه ينطبق على من يخضعون للجان ليستخدمهم في أغراضه"(4).
6- يقول الإكليريكي جورج عوض رمزي(5) "غاية سفر اللاويين إعلان أن القداسة هي الخط المميز لشعب الله، فما يقدمه الشعب من عبادات وممارسات وسلوك يجب أن يتسم بسمة القداسة " وتكونون قديسين لأني قدوس" (لا 20: 26) ولذلك ركز السفر على خطين متمايزين ومتكاملين، وهما الذبيحة والحياة المقدَّسة، فمن جانب لا توجد حياة مقدَّسة خارج نطاق الذبيحة، ومن الجانب الآخر لا تقبل ذبيحة إنسان يستهتر بحياة القداسة ولئلا يظن أحد أن حياة القداسة هي حرمان وكبت ختم السفر بالأعياد والنذور، وقد تحدث الإصحاح العشرون عن تقديس الشعوب لله وتخصيصه ليكون مختارًا وسط الشعوب التي تتعبد للأصنام والأوثان أمر الله برجم كل إنسان به مس شيطاني، فالمس الشيطاني هو التعامل مع الشيطان وفتح قناة للحوار معه، ولأن الله يريد أن يقضي على هذه الخطية البشعة من جذورها لذلك أمر برجم كل من به جان، ويجب الالتفات للملاحظات التالية:
أ - الالتجاء إلى الجان هو نزوع للوثنية، فالشيطان هو الذي علَّم الإنسان العبادات الوثنية، وهو الذي تحدث للبشر من خلال الأصنام والأوثان، كما ارتبطت العبادات الوثنية بالممارسات الشيطانية مثل العرافة والسحر والتنجيم واستشارة الموتى وتقديم الذبائح البشرية والنجاسة وسؤال الجان... إلخ وقد أراد الله أن يحصن شعبه من هذه العبادات الوثنية وكل أرجاسها.
ب- يغار الله جدًا على قداسة شعبه، ولذلك قدم الله عقوبات صارمة ضد مرتكبي السحر والعرافة، بهدف تطهير الجماعة المقدَّسة من الخميرة الفاسدة، فالذي به جان كان يعثر الناس ويضللهم ويصرفهم عن الالتجاء لله ويشجعهم على الالتجاء للشياطين، ولهذا جاءت هذه العقوبات الصارمة لكي تحفظ المؤمنين من التردي والسقوط في مثل هذه الخطايا.
جـ- الذي يسكنه الجان ليس بريئًا، لأنه هو الذي أعطى الفرصة للجان ليسكنه، بسبب سلوكه الشرير، وعصيانه وبُعده عن حياة القداسة، بل قد يكون هو الذي لجأ للأعمال الشيطانية التي أدت لسكنى الشيطان فيه، ولم تنادي شريعة العهد القديم قط بقتل البريء بسبب المس كقول الناقد.
د - اعتقد البعض أن الجان يمثل جنسًا وسطًا بين البشر والشياطين، يعيش في الهواء، ويأكل ويشرب، ويتزاوج ويتناسل، بل قد يتزاوج مع البشر. كما أعتقد البعض أن من الجن من هم كُفار ومنهم من يدينون بإحدى الديانات، وأن الجان قد يمس البشر دون إرادتهم والحقيقة أن الجان ما هم إلاَّ شياطين، ويقول قداسة البابا شنودة الثالث {تكلم الله كثيرًا ضد الجان في (لا 19: 31، 20: 6، 27، أش 8: 19، 20) ونلاحظ أن كلمة الجان لا توجد إلاَّ في الترجمات العربية. ولعلها تأثرت بالفلسفة الإسلامية في الترجمة، ففي ترجمة King James تُترجم Familiar spirits وفي ترجمات أخرى بكلمة Spirits... وما يسمونه الجان في الترجمات العربية للكتاب المقدَّس هم شياطين}"(6).
_____
(1) البهريز جـ 1 س170، س247، س299.
(2) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر اللاويين ص 243.
(3) المرجع السابق ص 255.
(4) تفسير سفر اللاويين ص 122.
(5) إكليريكية شبين الكوم.
(6) من أبحاث النقد الكتابي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/747.html
تقصير الرابط:
tak.la/7vdrahn