وكيف يذكر بولس الرسول في الإصحاح التاسع من رسالة العبرانيين المسكن مع أنه لم يكن قد أُقيم بعد، وكذلك أنية الخدمة مع أنها لم تكن قد جُهزت بعد؟
ويقول د. أحمد حجازي السقا " وكلام بولس فضلًا عن الاختلاف في نوعية المرشوش يثبت أن العهد قد أُخذ بعد نزول الشريعة وفيها أحكام المسكن. وقد نُصب المسكن بالفعل ووضعت فيه أنية الخدمة. وكلام التوراة يثبت أن العهد كان قبل نزول أحكام المسكن ونصبه ووضع الآنية فيه"(2).
ج: 1- جاء في سفر الخروج " فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس. ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب... وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم" (خر 24: 6 - 8) وقال معلمنا بولس الرسول " لأن موسى بعدما كلَّم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس أخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصوفًا قرمزيًا وزوفًا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب قائلًا هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به. والمسكن أيضًا وجميع آنية الخدمة رشَّها كذلك بالدم" (عب 9: 19 - 21) فليس ثمة تناقض بين النصين، إنما ما أجمله موسى النبي فصَّله بولس الرسول، وكليهما كتب بوحي وإرشاد روح الله القدوس، فمثلًا:
أ - ذكر سفر الخروج أن الدم الذي رشه موسى هو دم " الثيران " بينما فصَّل بولس الرسول القول بأنه دم " العجول والثيران " فالثيران والعجول هما فصيلة واحدة، ويمكن التعبير عنهما بكلمة واحدة، وإن كان بولس الرسول أضاف " التيوس " أي الماعز، فذلك لأن ذبائح السلامة كانت تقدم من العجول أو التيوس فجاء في سفر اللاويين " وإن كان قربانه من المعز" (لا 3: 12).
ب - ما أجمله موسى في لفظة " المذبح " فصَّله بولس الرسول في المسكن وآنية الخدمة، مع ملاحظة أن المسكن لم يُرش هذه المرة ولا آنية الخدمة، لأن المسكن لم يكن قد أُعدَّ بعد، ولا الآنية. إنما لا بُد أنهم رُشوا في مرة تالية، فعند تكريس هرون وبنيه وعند تقديم ثور الخطية " أخذ موسى الدم وجعله على قرون المذبح مستديرًا بأصبعه وطهر المذبح ثم صبَّ الدم إلى أسفل المذبح وقدسه تكفيرًا عنه" (لا 8: 15) وهذا ما سجله معلمنا بولس الرسول بوحي الروح القدس بل قال " وكل شيء تقريبًا يتطهر حسب الناموس بالدم" (عب 9: 22).
جـ- ما أجمله موسى النبي في رش الشعب بالدم فصَّله معلمنا بولس الرسول بأن موسى مزج الدم بالماء، وأستخدم الصوف القرمزي ونبات الزوفا في الرش، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالدم كان يمكن أن ينضح بالأصبع لو كان قليلًا، كما جاء في تقديم ثور ذبيحة الخطية " فذبحه وأخذ موسى الدم وجعله على قرون المذبح مستديرًا بأصبعه" (لا 8: 15) [راجع أيضًا لا 16: 14، 15] أما إن كان المطلوب رش الدم فلابد أن يضاف إليه الماء حتى يجعله سائلًا يمكن رشه، ويقول الدكتور القس غبريال رزق الله " أن موسى بعد أن رش نصف الدم على المذبح رش النصف الآخر، مختلطًا بالماء، ولا بد على الشعب، بل على جميع الشعب بلا استثناء أحد منهم. أما النصف المرشوش على المذبح ففيه إشارة إلى التكفير، أما النصف المرشوش على الشعب ففيه إشارة إلى التطهير، وفي كلا الأمرين إشارة إلى فاعلية الدم المزدوجة أي للتكفير والتطهير معًا"(3).
د - قال سفر الخروج أن موسى " أخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له" (خر 24: 6) إذًا كتاب العهد كان موجودًا في المشهد ومفتوحًا، ولا بد أن موسى وهو يرش على الشعب والمذبح نزلت قطرات الدم الممتزج بالماء على هذا الكتاب، وهذا ما أكده بولس الرسول بالوحي الإلهي عندما قال " ورش الكتاب نفسه"، ورش الكتاب بالدم يشير إلى التكفير بالدم عن الخطايا التي يرتكبها الإنسان ضد وصايا هذا الكتاب.
2- قد يتعجب البعض كيف يرش موسى الشعب بالدم الممتزج بالماء والحقيقة أن موسى فعل هذا مرة واحدة، وكان هذا بمثابة عهد بين الشعب والله، والدم هنا علامة العهد، ولذلك رش موسى الشعب بالدم كعلامة توثيق لهذا العهد، والدم يعبر عن الحياة، فمعنى رش الدم أنه لا حياة للشعب بدون عبادة الإله الحي. ومن المعروف أن الدم يذوب في الماء، ولا بُد أن نسبة الماء كانت كبيرة جدًا لتكفي للرش على هذا الشعب الغفير، إذًا فنسبة الدم صغيرة، وهذا يجعل الأمر ممكنًا ومستساغًا.
3- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مارمينا العامر " ما ذكره القديس بولس الرسول فيه إضافة عما ورد في سفر الخروج، والإضافة لا تعني تناقض، فالتناقض هو ذكر شيء عكس ما هو مذكور سابقًا، أما الإضافة فلا لوم عليها، إذ قد يكون هذا مصدره تقليد متوارث بين الشعب الإسرائيلي، علمًا بأن عدم ذكره في سفر الخروج لا يتسبب عنه أي انحراف لا في السلوك ولا في العقيدة، وننبه أن ما ذكره القديس بولس يلزم أن يكون صحيحًا، لأنه يذكره ليس في رسالة لشعب من الشعوب الأممية، إنما ذكره للعبرانيين، أن الدارسين للتوراة والتقاليد اليهودية"(4).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 119، البهريز جـ2 س332، س404، والبهريز جـ4 س86.
(2) نقد التوراة ص 229، 230.
(3) شرح الرسالة إلى العبرانيين ص394.
(4) من إجابات أسئلة سفر الخروج.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/689.html
تقصير الرابط:
tak.la/mtg46vx