ج: 1- من هو الإنسان حتى يغار منه الله؟! أليس الله هو الذي وضع الإمكانات العقلية والجسمانية في الإنسان؟! أليس الله هو الذي أشرق على الإنسان بنور علمه الإلهي فاستطاع الإنسان أن يصل إلى ما وصل إليه من تقدم ورقي؟! ألم يتجسد الله لكيما يكون لنا حياة ويكون لنا أفضل؟! وهل الذين يشيدون الأبراج العالية الآن يشيدونها من أجل تجنب أخطار الطوفان وأنهم لا يصدقون وعود الله؟!!
2- بدَّد الله البشرية وفرَّقها عند برج بابل ليس لأنها اتحدت على فعل الخير، ولكن لأنها تكبرت وأرادت الاعتماد على ذاتها دون الله، وقد فقدت الثقة في الوعد الإلهي بأنه لن يكون طوفان آخر بعد.
3- لم يغير الرب اسم المدينة من شنعار إلى بابل، ولم يضع لافتة بهذا التغيير، إنما الإنسان هو الذي غيَّر الاسم، فيقول الكتاب " فكفوا عن بنيان المدينة لذلك دُعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض" (تك 11: 8، 9) وفعل " دُعي " مبني للمجهول، فالذي دعاها هكذا بعض الناس، وانتشر الاسم بين الجميع، ولم يذكر الكتاب قط أن الله هو الذي غيَّر اسم المدينة، وهذا شأن النُقَّاد المتحاملين في انتقاداتهم غير الموضوعية.
4- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر " هل الله يغار من الإنسان..؟ إن النص ليس فيه لفظ "يغار" ولا معناه... لم يثق هؤلاء في مواعيد الله التي أعطاها الله لنوح، فأخذوا في بناء البرج المرتفع حتى إذا حل الطوفان مرة أخرى يجدون لأنفسهم ملجأ فيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبهذا العمل أظهروا عدم ثقتهم في ميثاق الله مع أبيهم نوح، وحسبوا الله غير أمين في مواعيده. لقد كان هدفهم كقولهم " نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه بالسماء" (تك 11: 4) فإنهم أرادوا أن يتحدوا القدرة الإلهية، متخيلين أن الطوفان حتى لو أتى ثانية فلن يصل إلى رأس هذا البرج. أما الرب فقد أبطل مشورتهم ليعلّمهم أنه ليس في مقدور أحد تحدي القدرة الإلهية... ولا يمكن المقارنة بين هذا البرج الذي يدل على التكبر والتعالي والشر، وبين الأبراج الضخمة وناطحات السحاب في العصر الحديث...
أما عن تغيّير اسم " أرض شنعار" (تك 11: 2) إلى " بابل" (تك 11: 9) فهذا لم يحدث بأن الرب وضع لافتة على مدخل المدينة -كما ورد بالسؤال- لأن النص لم يذكر أن الرب هو الذي غيَّر اسمها، إذ يذكر "لذلك دُعي أسمها بابل" (تك 11: 9) وقد يكون هذا تصرف من الشعب "(2).
5- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا " هل الله يغار من بناء الأبراج؟ وهل يسلك سياسة فرق تسد؟ ما حدث في بلبلة الألسن هو شفقة من الرب على الإنسان، إذ أن الإنسان في جهله ظن أنه يمكنه أن يبني برجًا رأسه في السماء، تُرى ماذا سيحدث لو ظلوا يبنون، هل كان سيستطيعون الاستمرار؟! وإلى أي ارتفاع كانوا سيصلون دون أن ينهدم عليهم البناء؟ إن بناء ناطحات السحاب لم يصل إليه الإنسان إلاَّ بعد علم كبير في القرن العشرين، وبرغم كل العلم فإن الإنسان لن يستطيع بناء برج رأسه في السماء. حقًا لقد أشفق الله على الإنسان الذي ظن في كبريائه أنه يمكنه أن يتحدى الله.
إنها ليست سياسة فرق تسد بل سياسة فرق تنقذ، فهو لم يفرق أناسًا متحابين يصنعون الخير بل يؤذون بعضهم البعض، وهو لم يفرق الألسن ليستفيد هو شيئًا، إنما فرق الألسن عقابًا لهم على كبريائهم، وأيضًا لئلا ينهار البناء عليهم فيقتلهم "(3).
6- تقول الدكتورة نبيلة توما " إن أولاد نوح لم يحملوا صورة الخلاص مثل أبيهم... فقد تحركت الطبيعة الفاسدة... رأوا أن الله يريد أن يتسلط عليهم، ويفقدهم حريتهم في اختيار الشر. فاجتمعوا وفكروا في طريقة يهربون بها من سلطان الله وملكه عليهم، فقد كان كل الذين يربطهم به هو الخوف من طوفان جديد، إلى أن توصلوا إلى طريق لبناء برج عالٍ ومرتفع. فاجتمع الكل ليعلنوا أنهم وجدوا المنفذ لعصيان الله بلا خوف من الطوفان... فإذا أرسل لهم الله الطوفان مرة أخرى يدخلوا في هذا البرج، فإذا صعدت المياه إلى دور يصعدون إلى الدور الذي يليه، إلى أن يصلوا إلى أعلى الأدوار وهو في قمة السحاب، وبذلك لن يصيبهم شيء مما أصاب القدماء...
وقد كان هذا إعلانًا جماعيًا من الإنسان على رفض السير في الطريق مع الله... أي أنهم يجتمعون على إرادة واحدة لأنهم مجموعة واحدة، فلابد أن يفترقوا حتى لا يساق الباقون في إرادة الشر دون معرفة واختيار حقيقي، ولأنه لا يريد أن يفنيهم حسب وعده... لذلك فرقهم إلى شعوب ومجموعات وقبائل، حتى لا ينتشر الشر إلى العالم كله، وجعل لكل مجموعة لغة غير الأخرى هكذا صار العالم متفرقًا بفعل الشر الذي اختاره"(4).
7- يقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس " وقصة برج بابل هي وصف محزن لتمزق المجتمع وانهيار الشركة والفشل في الاتصال والزيادة في العزلة والاضطراب، وقد جاء كل هذا نتيجة فشل جماعي في الاتكال على الله... لقد تملكهم الزهو والكبرياء والاعتماد على أنفسهم... فتحقق فيهم القول " لقد شتَّت المستكبرين بفكر قلوبهم أنزل الأعزاء عن الكراسي" (لو 1: 51، 52).. تفرق بنو نوح في الأرض جزئيًا قبل بلبلة الألسن طلبًا للرعي والأراضي الزراعية، ولكن بعد بلبلة الألسن تفرقوا لمدى أوسع، فسكن نسل سام في آسيا، وبنو حام في أفريقيا، وبنو يافث في آسيا الصغرى وأرمينيا وأوربا "(5).
8- يقول الأستاذ الإكليريكي عادل إسطفانوس حبشي - إكليريكية طنطا " لا تعتبر بلبلة الألسن غيرة وحقد من الله، لأن الله محبة، خلق الإنسان من جوده وفضل محبته، وفداه من الموت الأبدي، وأعد له الملكوت مسكنًا. عندما بلبل الله ألسنة البشر كان ذلك حماية لهم من شر أنفسهم وسقوطهم في الكبرياء أو سقوط البرج عليهم، وكان في هذه البلبلة أيضًا خير للناس الذين انتشروا في أرجاء الأرض، فاستغلوا خيرات الأرض عوضًا عن تكدسهم في مكان واحد، يتزاحمون فيه على موارد الحياة، مما يسبب خصام وشجار وقتال ودمار وهلاك "(6).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 268.
(2) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(4) تساؤلات حول الله في العهد القديم ص 107.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من أبحاث النقد الكتابي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/443.html
تقصير الرابط:
tak.la/bb74stb