St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

44- إلى أي مدي أهمل مذهب اللاهوت التحرري الشخصيات والأمور التاريخية في الكتاب المقدَّس؟

 

5- مذهب اللاهوت التحرري Theologie Liberale:

ج: اهتم مذهب اللاهوت التحرري بدراسة كل سفر وعما إذا كان له هدف لاهوتي، أم أنه يسجل حقائق تاريخية، وانتهت جراسة هذا المذهب إلى تفتيت الكتاب المقدَّس، وإنكار أهم أحداثه التاريخية. وأخذوا يدعون أن هذا الأمر لا يؤثر على الإيمان، فالإيمان في نظرهم يعتمد على خبرات تاريخية متعددة، عاشها المؤمنون في الأجيال المختلفة، وانتهى بهم الأمر إلى إنكار تاريخ البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب فقالوا عنهم:

أ- إنهم مجرد أسماء قبائل، فهناك قبيلة باسم إبراهيم، وإبراهيم يمثل الرجل الأول والقائد لهذه القبيلة، وهكذا إسحق ويعقوب.

ب- قال عنهم "ويل " H. Weil أنهم أبطال كنعانيون أدخلوهم اليهود في تاريخهم.

ج- قال عنهم "فلهاوزن " و"استاد " Stade و"ماير " E. Meger سنة 1906م أنهم من نسج اخيال الشعري، وقد أحيطوا بكل هالات السمو، وهذه الأسماء مستمدة من آلهة الكنعانيين، فيقول جرهاردوس فوس أنهم، مجرد أسماء الأشباح كنعانية، ولدت عن طريق تزاوج أنصاف آلهة الكنعانيين، واعتبرهم الكنعانيون أسلافا لهم، وعبدوها على هذا الأساس في أماكن متعددة، وحين حل العبرانيون في تلك الأراضي، وشعروا أن هذه الأماكن المقدسة ملك لهم، فلابد أن تكون هذه الآلهة التي تعبد في تلك الأماكن آلهة عبرانية وليست كنعانية، ولكي يؤيدوا ذلك ولكي يصبح لهم الحق في تلك الأراضي التي احتلوها، اخترعوا خرافة إبراهيم وإسحق ويعقوب هم أجدادهم، وأنهم عاشوا في تلك الأراضي المقدسة وأقاموا هذه الأماكن للعبادة، فربطوا بين إبراهيم وحبرون، وبين إسحق وبئر سبع، وبين يعقوب وبيت إيل(1).

د- حاول البعض ربط هذه الأسكاء بمعتقدات أهل بابل، فيقول جرهاردوس فوس، تقدم البعض بمحاولة لربط هذه الأسماء بما ورد في التقاليد البابلية... فسارو كانت ربة حاران، إبراهيم أحد آلهة البابليين، ولابان الإله القمر، أما زوجات يعقوب الأربع فهن وجوه القمر الأربع، وأبناء يعقوب الاثني عشر هم شهور السنة الاثنا عشر، أما أبناء ليئة السبعة فهم أيام الأسبوع، وعدد الرجال الذي استطاع بهم إبراهيم أن يقهر الأعداء، فهم عدد أيام السنة القمرية(2).

لقد أعاد هؤلاء النقاد إلى مسامعنا أفكار البدعة البلاجية القديمة التي نادت بأن كل ما يهم الإنسان من قصص الكتاب المقدَّس هو التعاليم الأخلاقية والدروس الدينية، ولذلك اهتموا بالجانب الأخلاقي الديني على حساب الجانب التاريخي، وادعوا أن تاريخية الأشخاص لا أهمية لها(3) وقد تغافل هؤلاء النقاد ما يلي:

أ- لو كان الموضوع مجرد تعاليم أخلاقية دينية، لكان من الممكن الاعتماد على الميثولوجيا وأساطير الأولين، وما كان هناك ضرورة للكتاب المقدس.

St-Takla.org Image: Arabic Diatessaron, Translated by Abul Faraj Al Tayyeb from Syrian to Arabic, 11th Century صورة في موقع الأنبا تكلا: كتاب "المصنوع من أربع" أو دياتسرون (الدياطسرون)، ترجمة عربية من السوري، ترجمها أبو الفراج الطيب، القرن الحادي عشر

St-Takla.org Image: Arabic Diatessaron, Translated by Abul Faraj Al Tayyeb from Syrian to Arabic, 11th century.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كتاب "المصنوع من أربع" أو دياتسرون (الدياطسرون)، ترجمة عربية من السورية، ترجمها أبو الفراج الطيب، القرن الحادي عشر.

ب- تجاهل هؤلاء النقاد الدور الهام والبارز لهؤلاء الآباء البطاركة في تاريخ الفداء، فإبراهيم هو أب الآباء وأب جميع المؤمنين، وممثل النواة الأولى للكنيسة اليهودية، والذي من نسله جاء المسيا المخلص، فإنكار تاريخيته يجعل الوعود التي أخذها إبراهيم بلا قيمة مادام هو شخصية أسطورية، وقس على ذلك إسحق ويعقوب وموسى وبقية الأنبياء.

 

ج- لو كان هؤلاء الآباء هم شخصيات أسطورية فكيف يتحدث عنهم السيد المسيح مرارًا وتكرارًا وكذلك الآباء الرسل على أنهم شخصيات حقيقية تاريخية؟!

 

د- ولو كان هؤلاء الآباء يمثلون آلهة للكنعانيين، وكالعادة فإن الإنسان ينسب لآلهته كل مظاهر القوة، وينزههم عن أي مظهر للضعف، فكيف سجل الكتاب المقدَّس ضعفات هؤلاء الآباء؟

 

هـ- الشعب اليهودي لم يتمثل بهؤلاء الآباء في كل ما فعلوه، فإبراهيم تزوج بسارة أخته غير شقيقته، والشعب اليهودي لا يتمثل به في هذا الأمر.

 

و- الذين يقولون أن هذه الأسماء مستمدة من معتقدات أهل بابل، رد عليهم "جنكل" -رغم دفاعه المستميت عن أثر البابليين في العهد القديم- فيقول جرهاردوس فوس عن جنكل، وهو يؤكد أيضًا أن كل المحاولات لإرجاع الأسماء إلى الأسماء العديدة الإلهية البابلية قد باءت بالفشل، وإننا لا نجد في العهد القديم أثرا لعبادة مقدمة للآباء. بل إننا نجد ما يناقض ذلك، فالنبي إشعياء يقول "أبوك الأول أخطأ ووسطاؤك عصوا على" (أش 43: 27) وأيضًا في (أش 63: 16) يرد القول "فإنك أنت أبونا وإن لم يعرفنا إبراهيم وإن لم يدرنا إسرائيل. أنت يا رب أبونا ولينا منذ الأبد اسمك"(4).

كما أنكر "اير" مجيء بني إسرائيل إلى أرض مصر وإقامتهم فيها أربعمائة سنة، ووصل حد التطرف ببعضهم مثل "روبرتسون " Robertson سنة 1900 م، "جنسن " Jensen سنة 1906 م، و"سميث " W. B. Smith سنة 1906 م, و"دريوز " A. Drews سنة 1909 م، إلى إنكار شخصية السيد المسيح التاريخية، وقالوا إن ما يوجد هو "مسيح الإيمان " كما نادى به التلاميذ، أما مسيح التاريخ فلا وجود له.

ونحن نرفض كل أفكار هذا المذهب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وإن كان أصحابه قد اعتمدوا على دراسة التاريخ والآثار، فنحن نقول لهم أن الدراسة الصحيحة للتاريخ والآثار تؤيد صحة وعصمة الكتاب المقدَّس كما شهد بهذا كثير من علماء التاريخ والآثار العباقرة، فالكتاب المقدس هو كتاب الله الصادق المعصوم من الخطأ، وكل ما ورد فيه من شخصيات تاريخية أو أمور عقائدية أو نبوية هي أمور حقيقية تماما بعيدة عن أي شك أو ارتياب، ومن يهمل الأمور التاريخية في الكتاب المقدَّس، فهو يتخلى عن الحقيقة التي يعلنها الله من خلال التاريخ، فيقول الأب جورج فلورفسكي "فالتاريخ ينتسب إلى الله، والله يدخل التاريخ الإنساني. إن الكتاب المقدَّس في جوهره مؤلف تاريخي يدوّن أعمال الله، من غير أن يكشف أسراره الأزلية، لأن هذه الأسرار لا تُدرك إلاَّ عن طريق التاريخ (الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر) (يو1: 18) وأخبرنا عنه بدخوله التاريخ، أي بتجسده المقدَّس. ولذلك لا يجب أن نتخلص من الإطار التاريخي للإعلان، لأننا لا نحتاج إلى تجريد الحقيقة المعلنة لنا عن الإطار الذي حصلت فيه الإعلانات. فتجريد كهذا يلغى الحقيقة ذاتها التي ليست فكرة بل شخص هو الرب المتجسد"(5).

والعهد الجديد مثل العهد القديم هو تاريخ يعبر عن الإعلان الإلهي للإنسان ونشأة الكنيسة، فيقول الأب جورج فلورفسكي الإنجيل تاريخ، والأحداث التاريخية هي أساس الإيمان ومصدره وقاعدة الرجاء المسيحي، لأن العهد الجديد يقوم على وقائع وأحداث وأعمال، وليس على تعاليم ووصايا وكلمات فقط. منذ البدء. في يوم الخمسين، عندما شهد القديس بطرس، بصفته شاهد عيان... (ونحن جميعًا شهود لذلك) (أع2: 32) كانت البشارة الرسولية صفة تاريخية أكيدة، وعلى أساس هذا الشاهد التاريخي تقوم الكنيسة... كان التبشير الرسولي دومًا سردًا لما حصل... فالتجسد والقيامة والصعود هي أحداث تاريخية... من الطبيعي ألاَّ نستطيع تأكيدها إلاَّ عن طريق الإيمان، لكن هذا التأكيد لا يبعدها عن إطارها التاريخي. فالإيمان يكتفي بالكشف عن بعد جديد ويفهمنا المعنى التاريخي في عمقه وحقيقته الكاملة"(6).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) علم اللاهوت الكتابي ص 112 و113.

(2) علم اللاهوت الكتابي ص 113.

(3) راجع علم اللاهوت الكتابي ص 113.

(4) علم اللاهوت الكتابي ص 115 و116.

(5) الكتاب المقدَّس والكنيسة والتقليد ص 23.

(6) علم اللاهوت الكتابي ص 113.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/44.html

تقصير الرابط:
tak.la/76war2j