قال " جيمس فريزر".. " بل أن الرب نفسه لم يتذكر هذه الشجرة العجيبة التي تقف بإمكانياتها غير المحدودة مهملة وسط الجنة... إلاَّ بعد أن قُضي الأمر وانتهى كل شيء. وقد خشى الرب بعد أن أصبح الإنسان صنوُّه في المعرفة عندما أكل من ثمار شجرة المعرفة، أن يصبح كذلك خالدًا مثله إذا ما أكل من شجرة الحياة، ولذلك فقد أسرع بطرده من الجنة، وعيَّن فريقًا من الملائكة الذي يحملون سيوفًا لامعة لتحرس الشجرة من كل من يقترب منها حتى لا يتسنى لأحد أن يأكل من فاكهتها السحرية، فيعيش إلى الأبد"(1).
وقال دكتور " سيد القمني".. " وناهيك عن الفهم الفج لمسألة الخلود، وعن خشية الرب من استغلال (آدم) لغفلته واحتمال أكله من شجرة الخلود فيخلُد كالآلهة، فإن التعبير {كواحد منا} يوحي أن الرب الإله هنا لا يتحدث عن نفسه فقط، إنما يتحدث عن نفسه وعن آخرين مثله، وأن الحديث موجه إلى هؤلاء الآخرين، وهو ما يؤكد الفهم بأن الرب الإله، إله مميز ضمن مجمع من الآلهة، ويدعم هذا الفهم أكثر وأكثر نص آخر يتحدث عن بناء البشر لبرج عالٍ، ذلك البرج المشهور في الأساطير ببرج بابل، فيقول النص... {هلم ننزل ونبلبل هناك ألسنتهم..} ومرة أخرى يشعر الرب بالخوف من ذكاء مخلوقاته، وأنهم قد يتمكنون من الوصول ببرجهم إلى السماء وإقلاق راحته، فيتدخل بأن يحوّل لغتهم الواحدة إلى لغات متعددة حتى لا يفهم بعضهم بعضًا، ومن ثمَ لا يتحدون مستقبلًا في عمل يزعجه. إلاَّ أن الأهم من هذا وما يعنينا. أن هذا (الرب) إنما هو فرد ضمن مجمع إلهي. متضمنًا في قول النص {هلم ننزل ونبلبل ألسنتهم}"(2).
ج: 1- أورد الناقد جزء من الآية وتغافل بقية الآية " وقال الرب الإله هوذا الإنسان صار كواحد منا عارفًا الخير والشر" (تك 3: 22) فآدم لم يصر إلهًا لأن الله غير محدود بينما آدم محدود، والله روح وآدم روح وجسد، والله كلي القدرة وآدم محدود القدرة... إلخ.
2- هناك آيات عديدة جدًا لوحدانية الله في العهد القديم، فلا يوجد إنسان عاقل يشكك في إيمان اليهود بوحدانية الله، ووحدانية الله ليست وحدانية صماء جامدة، لكنها وحدانية جامعة... وحدانية موجودة عاقلة حيَّة، وحدانية فيها الأبوة والبنوة والحياة، وهناك إشارات في العهد القديم لهذه الوحدانية الجامعة، وهي ما أفصح عنها العهد الجديد عندما تجسد الابن الوحيد الجنس وحدثنا عن الآب والروح القدس، وعرَّفنا في العهد الجديد أن كل أقنوم يعبر عن نفسه، ويتشاور مع الأقنومين الآخرين، ولا يتسع المجال هنا لشرح موضوع التوحيد والتثليث، ويمكن للقارئ أن يرجع إلى كتابنا "أسئلة حول التثليث".
إذًا الموضوع بعيد تمامًا عن تعدد الآلهة كما يظن الدكتور سيد القمني، وإن كان في العهد القديم إشارات لتثليث الأقانيم في الذات الإلهية، فإن هناك تصريحات واضحة وحاسمة تؤكد على وحدانية الله. إن عبادة الشعب اليهودي لله الواحد وسط شعوب تاهت في غياهب الوثنية حقيقة ثابتة.
3- لم يخشَ الله مخلوقاته قط، فعندما حكم بالطرد على آدم، كان يقصد أن لا يأكل من شجرة الحياة فيعيش إلى الأبد في خطيته، وكان لا بد من إصلاح الخطأ أولًا ثم العودة للفردوس ثانية. وعندما حكم الله على البشرية ببلبلة الألسن على أدراج برج بابل كان ردًا على كبرياء الإنسان وعدم ثقته في الوعد الإلهي بأن الله لن يجلب الطوفان ثانية.
4- يقول قداسة البابا شنودة الثالث " طبعًا أن الله لا يمكن أن يخشَ أن يكون هذا المخلوق الترابي ندًا له، فالله غير محدود في كل كمالاته، فلماذا منع الإنسان عن شجرة الحياة؟
لقد منعه عن شجرة الحياة، لأن الحياة لا تتفق مع حالة الخطية التي كان فيها الإنسان... الخطية هي موت روحي، وجزاؤها هو الموت الأبدي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى، يجب التخلص أولًا من حالة الخطية، ومن عقوبة الخطية، حتى يحيا الإنسان الحياة الحقيقة إلى الأبد، بدليل أن الله وعد الغالبين في الجهاد الروحي بأن يأكلوا من شجرة الحياة، بدليل أنه قال في سفر الريا: "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله" (رؤ 2: 7) وما أكثر الوعود الأبدية التي في الكتاب المقدَّس... ولكنها وعود للتائبين وللمنتصرين في حياتهم الروحية، وليس للناس وهم في حالة الخطية كما كان أبونا آدم وقتذاك، وكأن الله يقول لآدم:
ما دمت في حالة الخطية، فأنت في هذه الحالة ممنوع من الحياة، لأن " أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23) أنت لا تستحق الحياة في هذا الموضع، وليس من صالحك أن تستمر حيًّا في هذا الوضع... إنما انتظر التوبة والفداء، وبعد ذلك ستحيا إلى الأبد. إنه منع الحياة عن المحكوم عليه بالموت"(3).
5- يقول القس ميصائيل صادق " لم يصر الإنسان إلهًا، ولكنه فقد بساطته، وبعد أن كانت معرفته للخير فقط، فبالمخالفة جمع إلى معرفة الخير معرفة الشر مما أتعبه وأفسد ذهنه، وقد قصد المتسائل إخفاء الحقيقة بأن حذف بقية النص " عارفًا الخير والشر".."(4).
6- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا " هنا الذي سأل السؤال بتر الآية، حيث تكملتها " صار كواحد منا عارفًا الخير والشر " فالله يتكلم هنا عن تمييز الأمور وليس عن الألوهية، والله لا يخشَ آدم وحواء، ولكن كيف تعيش الخطية في حضرة الله؟!"(5).
7- يقول الأستاذ توفيق فرج نخلة " قبل السقوط كان آدم لا يعرف إلاَّ طريق الخير، ولكنه بعد المعصية عرف الشر وعواقبه الوخيمة. الله يعطي الإنسان من المعرفة ما يفيده ولكن الشيطان يعطي للإنسان المعارف الضارة، وقول الله " صار كواحد منا " أسلوب تهكمي يعبر عما وصل إليه الإنسان من المعرفة المشئومة عن طريق الحيَّة التي قالت له " يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" (تك 3: 15) وكلمة " منا " تشير لتثليث الأقانيم. أما بالنسبة إلى الخوف، فإن آدم هو الذي خاف وارتعب وانزعج وحاول أن يهرب من الله، وقال للرب " سمعت صوتك فخشيت لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10)"(6).
_____
(1) ترجمة د. نبيلة إبراهيم - الفولكلور جـ 1 ص 143، 145.
(2) الأسطورة والتراث ص 169، 170.
(3) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة لاهوتية وعقائدية (أ) ص 28، 29.
(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/383.html
تقصير الرابط:
tak.la/ary4x7r