يقول " جيمس فريزر".. " أن القصتين قد استمدهما الكاتب من مصدرين مختلفين ومستقلين أصلًا، ثم جمع بينهما في كتاب واحد ونقلهما معًا، دون أن يجهد نفسه في أن يخفف من حدة التناقض فيهما أو يوائم بينهما، فقصة الخلق في الإصحاح الأول مستمدة مما يسمونه بالمصدر الكهنوتي الذي ألفه كتَّاب كهنوتيون في أثناء السبي البابلي أو بعده... أما قصة الخلق الإصحاح الثاني فمستمدة مما يُسمى بالمصدر اليهوي الذي أُلف... وفيما يبدو - في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد. فالكاتب المتأخر أو الكهنوتي يُصوّر الإله في صورة مجردة على نحو ما قد يتصوَّره الإنسان، وأنه قد خلق الكائنات جميعًا بأن أمرها في بساطة أن تكون فكانت. أما الكاتب المتقدم أو اليهودي، فقد صوَّر الإله في صورة حسية، فهو يتصرف أو يتكلم... يشكل الإنسان من الطين... يزرع جنة ويسير فيها... يطلب من الرجل والمرأة أن يظهرا من بين الأشجار، يصنع لهما أردية من الجلد... فالبساطة الجميلة بل المرح في القصة المتقدمة، تتعارض مع الجدية البالغة في القصة المتأخرة"(1).
ج: 1- سبق مناقشة نظرية المصادر بالتفصيل في الجزء الأول من هذه السلسلة، فيرجى الرجوع إليه، وأيضًا في هذا الكتاب طُرح هذا الموضوع باختصار فيرجى الرجوع إلى إجابة السؤال 319.
2- تكرَّرت قصة خلق الإنسان في سفر التكوين في الإصحاح الأول والثاني، والقصتان تكمل أحدهما الأخرى، ففي القصة الأولى نلتقي بقصة خلق الكون مجملة (تك 1: 1- 2: 3) في اليوم الأول (أو الحقبة الأولى) رأينا حالة الفوضى والخراب أعقبها الفصل بين النور والظلمة، وفي اليوم الثاني رأينا الفصل بين المياه في البحار والمحيطات والمياه التي تتجمع كبخار في الغلاف الجوي، وأيضًا الفصل بين المياه واليابسة، وفي اليوم الثالث رأينا نشأة الحياة النباتية، وفي اليوم الرابع رأينا عمل الشمس والقمر، وفي اليوم الخامس رأينا نشأة الكائنات البحرية وطيور السماء، وفي اليوم السادس رأينا خلق حيوانات الأرض، ثم خلق الإنسان كتاج للخليقة كلها، وبينما ظهرت سائر المخلوقات كأجناسها، فإن خلق آدم ظهر بصورة فريدة مميزة إذ خلقه الله على صورته كشبهه مع تمييز جنسه ذكرًا وأنثى أما في الإصحاح الثاني فجاء التركيز على خلق الإنسان، وعلاقته بالبيئة التي يعيش فيها، وبزوجته حواء.
وجاء في دائرة المعارف الكتابية " يختلف السياق في القصة الثانية عنه في الأولى (تك 2: 2 - 25) فالإنسان هنا ليس هو ذروة الخليقة، ولكنه مركزها، فهو مخلوق من التراب ولكن في أنفه نسمة حياة من الله (تك 2: 7) يتسلط على كل الأشياء كنائب عن الله على الأرض، تدور الخليقة في فلكه وتخضع لسلطانه. ويضاف إلى ذلك وصف للموطن الأول للإنسان وعلاقاته العائلية، ولذلك تبدو القصة الثانية -بوضوح- تكملة للأولى وليست مناقضة لها، فوجوه الاتفاق بينهما في الواقع، أكثر من وجوه الاختلاف... فالأولى قد تُسمى نموذجية والثانية فسيولوجية. الأولى هي القصة الشاملة لخلق الإنسان، الجنس البشري، النموذج، أما الثانية فهي نشأة الإنسان في الواقع، نشأة آدم التاريخي"(2).
3- يقول بونهوفر Bonhoffer " إذا كنا في (الإصحاح الأول) قد رأينا الإنسان بالنسبة لله، فإننا هنا (في الإصحاح الثاني) نرى الله بالنسبة للإنسان، وبعبارة أخرى هناك في الإصحاح الأول صورة حياة الإنسان، كجزء من مقاصد الله بالنسبة للكون برمته، أما هنا في (الإصحاح الثاني) فنرى الله يعمل نيابة عن الإنسان، من أجل خيره. هناك، نراه الخالق والرب البعيد عنا، أما هنا، فنراه الله الأب القريب منا، إله العهد {يهوه إيلوهيم}"(3)(4).
4- لو صح رأي " جيمس فريزر " بأن الكاتب استمد قصة الخلق الأولى من المصدر الكهنوتي الذي يرجع للقرن الخامس قبل الميلاد وقصة الخلق الثانية من المصدر اليهوي الذي يرجع للقرن التاسع قبل الميلاد، ووضعهما كما هما، فلماذا لم يضع الكاتب القصة اليهودية وهي الأقدم أولًا في الإصحاح الأول، ثم يضع القصة الكهنوتية وهي الأحدث في الإصحاح الثاني؟!!
_____
(1) ترجمة د. نبيلة إبراهيم - الفولكلور جـ 1 ص 109، 110.
(2) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 430، 431.
(3) Dietrich Benhoffer in Geation and Fall.
(4) ترجمة نكلس نسيم - سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر التكوين جـ 1 ص 70، 71.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/343.html
تقصير الرابط:
tak.la/786df7b