يرى الخوري بولس الفغالي أن
قصة يوسف مع امرأة فوطيفار مقتبسة من أسطورة أنفو (إنوبيس) وباطا (باتا)
المصرية، فقد أستعبد أنفو أخيه الأصغر باطا، وفي يوم غاب أنفو عن بيته، فحاولت
زوجته أن تسقط أخيه باطا في الخطية، ولكن باطا رفض وهرب من البيت تاركًا معطفه،
فاتهمته بمحاولة التغرير بها، فترك مصر وهرب إلى لبنان، وهناك مات، ولكنه قام
ثانية وجاء وملك على مصر(1). ونفس الفكرة قال بها "جيمس
هنري برستيد
James Henry Breasted " فقال "ومن الحقائق المدهشة أن هذه الحادثة التي توَّجت القصة
كلها بتاج الفخار، مستقاة من قصة مصرية قديمة شعبية كانت -لا بد- قد انتشرت في
فلسطين الكنعانية حيث سمع بها ذلك الكاتب الموهوب الذي ألف قصة
يوسف، وهذه
القصة المصرية تعرف الآن عادة بقصة الأخوين"(2). ويعرض "جيمس ريتشارد "
وفي المساء عندما عاد "أنوبيس " تظاهرت زوجته بالمرض، وادَّعت بأن باتا قد اعتدى عليها بالضرب، لأنه أراد أن يزني معها، بالرغم من أنها نصحته قائلة: ألستُ أنا أنك؟ أليس أخوك الأكبر بمثابة أب لك؟ ولكنه ضربها حتى لا تخبر زوجها برغبته الشريرة. وقالت له: إن تركته يعيش بيننا فسوف أقتل نفسي. فصار أنوبيس كالفهد وشحذ رمحه، وتربص لأخيه خلف باب الحظيرة حتى يقتله. ولكن عندما جاء باتا أخبرته إحدى البقرات بخطة أنوبيس قائلة: إن أخاك الأكبر واقف ينتظرك حاملًا رمحه ليقتلك! ابتعد عنه. فألقى باتا ما يحمله على الأرض وفرَّ هاربًا.
ثم صلى باتا لرع-حور-أختي قائلًا: "يا سيدي الطيب إنك أنت التي تميز الشرير من البار!". فسمع "رع" صلاته وجعل فاصلًا كبيرًا من الماء بينه وبين أنوبيس، وكانت هذه المياه مملوءة بالتماسيح، ووقف كل أخ في اتجاه الآخر يفصلهما بحيرة التماسيح، وكان الأخ الأكبر ثائرًا لأنه يريد أن يصل إلى شقيقه الأصغر ليقتله، فقال باتا لأخيه: "انتظر هنا حتى الفجر، وحينما يظهر قرص الشمس سوف أتحاكم معك في حضرته، وسوف يُسلَم الشر إلى الخير، لأني سوف لا أعيش معك أبدًا، سوف لا أكون في مكان تكون فيه. سأذهب إلى وادي الأرز ".
وفي الفجر تجادل باتا مع شقيقه الأكبر أنوبيس وأوضح له الحقيقة، ثم أخذ سكينًا وقطع عضو تذكيره، وألقاه في الماء، فابتلعته سمكة الشال وصار ينزف، فحزن عليه أنوبيس وعجز عن إنقاذه، ثم رحل باتا إلى وادي الأرز، وعاد أنوبيس ليقتل زوجته ويلقي بها إلى الكلاب، ويجلس حزينًا على أخيه الأصغر باتا(3).
ويرى "زينون كوسيدوفسكي " أن قصة يوسف ما هي إلَّا
رواية شعبية منمقة بروح الأساطير فيقول "انتشرت قصة يوسف منذ زمن بعيد انتشارًا واسعًا، وحققت شهرة كبيرة، ودخلت ضمن روايات الشعوب التي وجدت في التوراة منهلًا لتخيلاتها، ولا غرابة في الأمر، فهي قصة شعبية عادية ذات مضمون حساس مليئة بالمغامرات الخارقة ومزينة بظرف الخرافة. بل ويمكن القول أنها منمَّقة بروح الأساطير التاريخية الشعرية، واستجابت عبرتها الأخلاقية للمتطلبات الروحية للإنسان البسيط المحروم المتعطش دائمًا للعدالة... لقد كان الرعاة العبرانيون القدماء مؤلفو قصة يوسف أناسًا ذوي طباع قاسية وكثيري الخيال"(4).ويرى الدكتور سيد القمني أن
ما سجله سفر التكوين عن حلم فرعون هو امتداد للخيال الأسطوري الكنعاني الذي يقدس الرقم سبعة، فيقول "أغلبية الأراضي التي كانت تعتمد في ريها على الأمطار والمياه الجوفية، ويشير (جوردون) إلى أنه لم يكن هناك شيء أبعث للرعب في نفوس الكنعانيين مما أسموه بالسنوات العجاف إذا تلاحقت، وقد جاء في الأساطير المكتشفة في أوغاريت أنها تستمر سبع سنوات، يليها سنوات سبع أخرى كلها خيرات وهكذا دواليك... ولنا أن نعلق هنا بأن الأمر لم يكن يسير في حقيقته على هذا المنوال، إنما هو الخيال الأسطوري المشبَّع بتقديس الرقم (7) وغني عن الإيضاح أن ما جاء في قصة يوسف بالكتاب المقدس يشير إشارة واضحة إلى الأثر الكنعاني في العقائد اليهودية"(5).ويرى كمال الصليبي أن
قصة يوسف مأخوذة من خرافة الإله آساف في الجزيرة العربية، وذلك للتشابه اللغوي بين الاسمين، وأيضًا لأن معنى اسم يوسف يزيد وهناك عدة قرى بهذه التسمية فيقول "اعتدنا في الفصول السابقة على أن يكون هناك قدر من الخرافة في كل قصة من قصص التوراة، فهل هناك شيء من الخرافة في قصة يوسف؟ بل هل كانت هناك قصة مماثلة لقصة يوسف تروى عن إله من آلهة شبه الجزيرة العربية، ربما كان الإله المشهور آساف (ءسف) وهو الإله الذي بقى بين العرب من يعبد صنمه حتى مجيء الإسلام؟ ليس هناك ما يمنع من أن يكون اسم يوسف (بالعبرية أيضًا يوسف) هو ذاته اسم آساف من الناحية اللغوية... ويقابل اسم يوسف بالعربية اسم يزيد، والاسم هذا يفيد المعنى ذاته الذي يفيده اسم يوسف بالعبرية، ولعل المدعو أصلًا يوسف، ثم آساف، كان يُدعى أيضًا يزيد. وهناك قرية بسراة عسير مازالت تحتفظ باسم آل يوسف (ءل يوسف، أي الإله يوسف) وهناك ما لا يقل عن خمس قرى، وهي أيضًا من عسير، مازالت تحتفظ باسم آل يزيد... ومن هذه قرية آل يزيد التي تقع بمنطقة بيشة، في جوار قريتي أل عُقَبة وآل غريبة، وقد سبق أن هاتين القريتين مازالتا تحتفظان الأولى باسم الإله يعقوب، وإله العقب والنسل الصالح، والثانية باسم ربقة أي الإلهة رفقة، وهي إلهة الخصوبة العائلية والحيلة النسائية"(6).ويرى جيمس فريزر أن
القدح الذي كان يتفاءل به يوسف ما هو إلَّا عادة وثنية، فيقول "نحن نقرأ أن الفيلسوف "أزيدورس " الذي كان من أتباع المدرسة الأفلاطونية الحديثة، تقابل مع امرأة متدينة كانت تمتلك مقدرة غريبة على التكهن. وقد تعودت هذه المرأة أن تصب ماءًا رائقًا في قدح زجاجي، وتتنبأ من خلال ما يتراءى لها في المياه بالحوادث التي ستحدث في المستقبل، وقد كان التكهن عن طريق النظر إلى الماء يعد نوعًا من أنواع التكهن، وقد أطلق عليه الإغريق اسم "هيدرومانتيان" وفي بعض الأحيان كان يوضع في الماء حجر كريم من نوع معين لكي يستحضر عن طريقه صور الآلهة. وقد قيل أن الملك "تومان " كان يتكهن عن طريق الآلهة التي كانت تبدو له في الماء، وأنه كان يستخدم قدحًا لهذا الغرض"(7).
ج: 1- عندما ترجم د. سليم حسن رأي برستيد، وترجم د. عبد الحميد زايد رأي جيمس ريتشارد على أن قصة يوسف مقتبسة من أسطورة الأخوين المصرية، وعندما ترجم د. محمد مخلوف رأي كوسيدوفسكي على أن قصة يوسف هي رواية شعبية منمَّقة بروح الأساطير، لم يعلق أحد منهم على هذه الآراء، فهل هم يوافقون عليها..؟! وكيف يوافقون عليها وهي ضد القرآن الذي يعتقدون به، وقد أفرد القرآن لقصة يوف سورة خاصة رقم (12) ؟! هل يخالفون إيمانهم في مقابل نقل الهجوم الغربي على الكتاب المقدَّس؟! وإن لم يوافقوا على مثل هذه الآراء فلماذا لم يعلّقون عليها ولو بملاحظة بسيطة في الهامش ويدافعون عن إيمانهم؟!!
2- ما أبعد الفرق بين أسطورة الأخوين الخرافية، بما فيها من تعدد للآلهة، وبتر لأعضاء الإنسان... إلخ
. وبين قصة يوسف وواقعيتها؟!!
3- زينون كوسيدوفسكي الذي قال أن قصة يوسف قصة شعبية، في موضع آخر من كتابه يقول أنها قد ترجع إلى حقيقة تاريخية، لكن هل هي من نتاج الخيال فقط؟ ألا تكون تأسست انطلاقًا من شيء ما، كان قد حدث فعلًا، فالمعروف أن الحوادث التاريخية تأخذ في التقاليد الشعبية صيغة الأسطورة أحيانًا لدرجة يصعب معها التفريق بين الحقيقة والخيال، قد تكون قصة يوسف أسطورية، ولكن ذلك لا ينفي إمكانية أن يكون أحد فروع العبرانيين قد قطن فعلًا في مصر"(8). كما يقول أيضًا "ليس من المستبعد أيضًا أن تكون القصة التوراتية صدى لحادثة تاريخية. وأن يكون أحد العبرانيين اسمه يوسف، وقد وصل فعلًا إلى منصب عالٍ في قصر فرعون، ولاحقًا تكونت أسطورة حول شخصيته نسجها العبرانيون متفاخرين بأجدادهم المشهورين"(9).
وفي موضع ثالث يؤكد على حقيقة قصة يوسف كقصة تاريخية، بل ويشيد بالقصة كما جاءت في سفر التكوين فيقول "أكثر ما يدهش في القصة التوراتية هو الدقة التاريخية... مراسيم دفن يعقوب ويوسف، فقد حُنط جسداهما خلال أربعين يومًا، أما المومياء فوضعت في نعش خشبي. وها هو هيرودوت يكتب أن عملية التحنيط كانت تستمر أربعين يومًا في مصر، وتؤكد ذلك أيضًا نصوص البردي التي اكتشفت في مقابر الملوك والقادة.
لنتذكر أنه قد حُلِق ليوسف قبل تقديمه لفرعون. إن هذا التفصيل الذي يتبادر للذهن أنه صغير ومحشور في النص، له أهمية كبيرة، لأنه يدل مرة أخرى على معرفة الإسرائيليين الجيدة بالعادات المصرية. ففي مصر لم يكن يُسمح لأحد بإطالة لحيته، فقد كانت هذه الميزة تخص فرعون فقط، فرعون الذي كان يلتحي بلحية مستعارة. أما يوسف ولكونه عبرانيًا، فقد كان في الأغلب ملتحيًا، ولذلك حُلِق له بناء على العادة المتبعة في القصر.
وكذلك الحال بالنسبة لمراسيم تعيين يوسف وكيلًا لفرعون، فتلك المراسيم الاحتفالية جرت حسب التقليد الموصوف في البردي والصور المكتشفة في المدائن، فالقائد الجديد كان يتسلم من يد فرعون شخصيًا هدايا تناسب تسميته السامية ومنصبه الرفيع: طوقًا ثمينًا للرقبة، وثيابًا ثمينة وإضافة إلى ذلك زواجه ذات أصل رفيع. وخلال الاحتفالات كان القائد يأخذ عربات القصر المذهبة يركبها ويسير بها وراء عربة فرعون مباشرة... ففرعون أطلق على يوسف اسم صفنات فعنيح الذي يعني "الإله يقول: يحيا " واسم زوجته أسنات أي تابعة الإلهة نت (ونت إلهة مقدسة في دلتا النيل). أما فوطي فارع فهو اسم محرَّف من فا-دي-فا-رع، ويعني الممنوح من الإله رع، وفي النهاية من المجدي أن نضيف أن قصة يوسف تعطي صورة واضحة في الطبوغرافيا المصرية. فالتفاصيل المذكورة تسمح بالاستدلال بسهولة على موقع أرض جاسام وتحدد بواسطة العوامل المساعدة في أية عاصمة عاش يوسف.
مختصر القول: لقد صمدت المادة التي حيكت منها القصة المصرية، تمامًا أمام امتحان البحوث العلمية الحديثة، ومن العبث اليوم التشكيك بوجود يوسف كشخصية تاريخية، لكن من العبث أيضًا التفكير في أن قصته ولدت في مكان آخر غير مصر [وهذا يعتبر ضد رأي كمال الصليبي]. لقد كان مؤلفو قصة يوسف أناسًا يعرفون البلاد بشكل لا يدع مجالًا للشك في أنهم عاشوا هناك أي في مصر فترة طويلة من الزمن.."(10).
4-شهدت الآثار المصرية على السنين العجاف، فهناك نصًا منقوشًا على صخرة في جزيرة سهيل بالقرب من الشلال الأول... وجاء من ضمن ترجمته "أنا في غم على العرش العظيم وأولئك الذين في القصر كانت قلوبهم في حزن من شيء عظيم جدًا، طالما أن النيل لم يأت في عهدي لمدة سبع سنوات، الحبوب ناقصة، جفت الفواكه، وكل شيء يأكلونه أصبح ناقصًا، سرق كل رجل زميله، تحركوا بدون تقدم إلى (الأمام). بكى الأطفال، انتظر الشاب، قلب الكهول في حزن، انحنت سيقانهم، قبعوا على الأرض، ثُنيت أذرعهم. رجال الحاشية الملكية في فاقة. أُغلقت دور العبادة والمقاصر (لا) تضم (شيئًا ما عدا) الهواء، وكل (شيء) أصبح فارغًا"(11).
كما وجد في مقبرة "ألقاب " التي تم اكتشافها كتابة توضح أنه كان في مصر مجاعة رهيبة حدثت في فترة حكمه، وأن الحاكم قام بتوزيع الغلال التي سبق وخُزنت في أوقات الخير والسعة، ووجد في منطقة شكيم قبرًا كان يُعرف بقبر يوسف، وعندما فُتح هذا القبر وُجدت به جثة محنطة بطريقة قدماء المصريين، وبجوارها سيف من النوع الذي كان يستخدمه كبار رجال الدولة في مصر(12).
5-عاش يوسف الصديق قبل عصر الشريعة، فلم يكن معروفًا حينذاك خطأ التفاؤل والتشاؤم، فلا يمكن تطبيق قانون قبل حدوثه، ولا يمكن أن نحكم على يوسف بشريعة موسى التي جاءت بعده، عندما قال الكتاب "لا يوجد فيك... لا عائف ولا متفائل" (تث 18: 11).
_____
(1) راجع المدخل إلى الكتاب المقدس جـ 1 ص 426.
(2) ترجمة د. سليم حسن- فجر الضمير ص 383.
(3) راجع جيمس ريتشارد- ترجمة د. عبد الحميد زايد- نصوص الشرق الأدنى القديمة المتعلقة بالعهد القديم جـ 1 ص 97- 100.
(4) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 81، 82.
(5) الأسطورة والتراث ص 79، 80.
(6) خبايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص 168، 169.
(7) الفولكلور في العهد القديم جـ 2 ص 250.
(8) ترجمة د. محمد مخلوف- الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 83.
(9) المرجع السابق ص 89.
(10) ترجمة د. محمد مخلوف- الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 87- 89.
(11) ترجمة د. عبد الحميد زايد- نصوص الشرق الأدنى القديمة المتعلقة بالعهد القديم ص 114.
(12) راجع جون ألدر- ترجمة د. عزت زكي- الأحجار تتكلم ص 59، 60.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/306.html
تقصير الرابط:
tak.la/q2bx68v