ج: أولًا: 1- في حديث الرب مع أيوب تطرَّق إلى النعامة قائلًا: "جَنَاحُ النَّعَامَةِ يُرَفْرِفُ. أَفَهُوَ مَنْكِبٌ رَؤُوفٌ، أَمْ رِيشٌ؟" (أي 39: 13)، وفي هامش هذه الترجمة (فانديك) وضع أمام " أَفَهُوَ مَنْكِبٌ رَؤُوفٌ " معنى آخر وهو " هل هو جانح اللقلق".
وفي "الترجمة اليسوعية": "جَناحُ النعامَةِ يُرَفرفِ ولا يُضاهي قَوادِمَ اللقلُق وريشها".
وفي "ترجمة كتاب الحياة": "يُرَفرِفُ جَناحَا النَّعامةِ بغبطةٍ، ولكن أهُمَا جَنَاحَان مَكسُوَّان بريشِ المحبَّةِ".
وفي "الترجمة العربية المشتركة": "أجناحُ النَّعَامةِ المُرَفرِفُ مثل جَناحِ اللقلُقِ أو الصَّقرِ؟".
ففي هذه الآية يقارن الله بين طائرين، أحدهما افتقد الحكمة وغريزة الأمومة، والآخر يتميز بالحنو الشديد نحو صغاره. فالنعامة قال عنها الله: "لأَنَّهَا تَتْرُكُ بَيْضَهَا وَتُحْمِيهِ فِي التُّرَابِ، وَتَنْسَى أَنَّ الرِّجْلَ تَضْغَطُهُ، أَوْ حَيَوَانَ الْبَرِّ يَدُوسُهُ. تَقْسُو عَلَى أَوْلاَدِهَا كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا. بَاطِلٌ تَعَبُهَا بِلاَ أَسَفٍ. لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَهْمًا. عِنْدَمَا تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى الْعَلاَءِ، تَضْحَكُ عَلَى الْفَرَسِ وَعَلَى رَاكِبِهِ" (أي 39: 14-18) فالنعامة لا تهتم بالبيض الذي تضعه بل تتركه في التراب، يُداس بعضه من الإنسان والحيوان، ويفقس الآخر بفعل حرارة الشمس والرمل، ويخرج منه صغار تقسو عليهم أمهم. أمَّا اللقلُق فهو من أكثر الطيور حنوًا وعطفًا على صغاره، وفي بعض الدول الأوربية مثل هولندا يتركونه يعشعش في منازلهم ويحظرون صيده، وهو طائر ودود يقترب من الناس وهم يحنون عليه، وعندما بكت الله شعبه قال: " اللَّقْلَقُ فِي السَّمَاوَاتِ يَعْرِفُ مِيعَادَهُ، وَالْيَمَامَةُ وَالسُّنُوْنَةُ الْمُزَقْزِقَةُ حَفِظَتَا وَقْتَ مَجِيئِهِمَا. أَمَّا شَعْبِي فَلَمْ يَعْرِفْ قَضَاءَ الرَّبِّ!" (إر 8: 7).
فماذا يريد الله أن يقول لأيوب من خلال هذا المقطع الصغير؟
يريد الله أن يقول لأيوب أن الله حُرٌ في خلائقه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فَمَنْ يسأله لماذا يمنح اللقلق هذا العطف وذاك الحنان لصغاره، بينما يجرد النَّعَامة من غريزة الأمومة السائدة في جميع أنواع الطيور والحيوانات..؟! ولماذا يمنح الله النملة وهي كائن ضعيف الحكمة بينما يجرد النَّعَامة التي تباري الخيل منها؟!، ومع كل هذا فإن الله لا ينسى أحدًا من مخلوقاته قط، وعلى الإنسان أن يتعلَّم من هذا وذاك وتلك.
2- يقول " لويس صليب " عن (أي 39: 13): "عبارة عن مقارنة بين النعامة بأجنحتها المرفرفة وغباوتها البادية في عدم المبالاة بصغارها وبين اللقلق الذي هو أكثر الطيور التي خلقها الله عطفًا وحنانًا على أولادها، فلا يوجد في الدنيا طائر يحنو على صغاره ويهتم بها مثل اللقلق... هذا هو الطائر الذي يُقارن هنا بالنعامة وهذا هو مبلغ حنانه على فراخه، في حين أن النعامة تترك صغارها لحال سبيلهم... باطل تعبها بلا أسف، لأن الله قد أنساها الحكمة.
ومن ذا الذي ينازع الله، فالله الذي يمنح طائرًا معينًا صفة عجيبة ممتازة من العطف والحنان. يُجرّد طائرًا آخر من أعم الغرائز وأكثرها شيوعًا، وهي غرائز الأمومة. في الوقت الذي يمنح هذا الطائر بالذات، وهو النَّعَامة، قوة هائلة وسرعة فائقة، حتى أنها تستطيع أن تكسب الرهان في سباق الخيل... إن النَّعَامة لا تستخدم جناحيها وريشها لحماية فراخها والعناية بها. إذ ذاك تفرُّ من العدو الحقيقي أو الوهمي"(1).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "بالنسبة للنعامة فهي طائر كبير الحجم جدًا يدعوها البعض جَملًا بأجنحة. من يراها وهي ترفرف بأجنحتها الكبيرة يظن أنها قادرة على الطيران وبسرعة فائقة، لكنها مع ضخامة جناحيها وجمال ريشها تعجز عن الطيران...
مع ما للنعامة من ريش جميل فتتبختر كالطاووس في كبرياء، لكنها تسلك في غباوة بدون حكمة، إذ لا يقترن جَمَالها ولا ضخامة حجمها بالحكمة. فهي لا تبالي بصغارها، إذ تعرّض بيضها للخطر. إنها لا تتوارى في مكان منعزل لتصنع لنفسها عشًا كالعصفور والسنونة (مز 84: 3)، ولا ترقد على البيض حتى يفقس، تترك بيضها على الأرض في أي مكان، يمكن أن يفقس بفعل دفء الشمس والرمل، ولا تهتم أن تقوم هي بتدفئته.
لقد سمح الله ألَّا تتمتع النعامة الضخمة الجميلة بالحكمة، بينما تتمتع بها النملة الصغيرة التي نستخف بها. لقد أراد لنا أن نتعلَّم من كليهما أن نطلب الحكمة ونعتز بها ونمارسها.
بالرغم من استخفاف النعامة بصغارها، لكن إذ يحدق بها خطر ما ترفع جناحيها وتنطلق بسرعة فائقة، حتى تسخر بالفرس وراكبه"(2).
_____
(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 206، 207.
(2) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1313-1315.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1614.html
تقصير الرابط:
tak.la/38xndzk