ج:
1-
تحدَّث
أليهو عن العواصف الرعدية كما رأينا في إجابة السؤال السابق
(أي 27: 1-5)، ثم تكلَّم عن تساقط الجليد "
لأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ:
اسْقُطْ عَلَى الأَرْضِ"
(أي 37: 6)، فعندما يكتسي وجه الأرض بالجليد حينئذ يكف الإنسان عن العمل،
وعندما قال في الآية اللاحقة: "يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ " كان يتكلَّم بأسلوب شعري
بليغ، ويقصد به أن الله هو الذي يمنح القدرة للإنسان ليستطيع أن يعمل، واليد
تشير للعمل، فهو الذي يهيئ المناخ الحسن الذي يعمل فيه الإنسان بجد ونشاط وقوة،
وهو الذي يسمح بمناخ سيئ ورديء فيكف الإنسان عن العمل ويركن إلى الراحة والتأمل
في أعمال الله، وبذلك يتعلَّم الإنسان أن هناك خالقًا يسوس الأمور ويتحكم في
الطبيعة:
" وَلْيَعْلَمُوا
أَنَّ هذِهِ هي يَدُكَ. أَنْتَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ هذَا"
(مز 109: 27).
ويقول " متى هنري": "إن الناس يلجأون إلى بيوتهم بعد تعبهم في الحقل، ثم يبقون في البيت " يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ" (ع 7). عندما يكون الطقس شديد البرودة، والأمطار غزيرة، أو عندما تتساقط الثلوج، لا يقدر الفلاحون مزاولة عملهم، ولا بعض التجار، ولا يقدر المسافرون أن يتحركوا... حتى إذا ما توقف كل إنسان عن عمله " يَعْلَمَ كُلُّ النَّاسِ خَالِقَهُمْ"، ويتأملوا في عمله، ويعطوه المجد، وبالتأمل في عمله في الطقس الذي يختم على أيديهم ويوقفها عن الحركة، يمكنهم أن يمارسوا أعماله الأخرى العظيمة والعجيبة"(1).
ويقول " لويس صليب": "إذا كان تساقط الجليد يغطي الأرض مثل أكفان الموتى، وإذا كانت يد الشتاء الثلجية توضع على الإنسان لتشلَّ نشاطه، فذلك ثلجه وجليده تعالى، وتلك يده تعالى، ليعلن للإنسان اقتداره السامي، والحيوان يعتزل متراجعًا إلى مخبئه وكأن لسان حاله يقول: لنختبئ نحن أيضًا " في محاجئ الصخر" حتى تعبر الكوارث. وسواء أتت العاصفة في إعصار الجنوب، أو من منطقة الشمال المتجمدة، فما هي إلاَّ نسمة القدير، فخير لنا أن نتواضع تحت يده القوية"(2).
2- " لِيَعْلَمَ كُلُّ النَّاسِ خَالِقَهُمْ " وفي " الترجمة السبعينية": "ليعلم كل إنسان ضعفه " حتى لا يتكبر الإنسان فيسقط، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن يد الله الواضحة في الطبيعة والتي تشهد لقدرته الفائقة تدفع الإنسان إلى اكتشاف ضعفه الذاتي مع إمكانياته الجبارة بالله القدير، وفيما هو ضعيف يُدرِك أنه بالله قوي " لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: بَطَلٌ أَنَا" (يؤ 3: 10). كما يقول الرسول بولس: "لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2كو 12: 10).
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
يقول هذا هو السبب لأعماله الخلاَّقة، السبب لوجود البرد والحر، ولهبوب الرياح بطريقة تبدو بلا هدف. أما كان ممكنًا أن يقدم مجموعة متناسقة معًا؟ لم يفعل الله ذلك، لكي ما يمنع بكل وسيلة الفكر المتعجرف. يفعل هذا لكي يعرف كل إنسان ضعفه... لنقل مثل إبراهيم: "أَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ" (تك 18: 27)، ومثل داود: "أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ" (مز 22: 6)، ومثل الرسول: "وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي" (1كو 15: 8).
لقد خُلِق الإنسان ضعيفًا، لكن الإنسان يحسب نفسه قويًا، ولذلك صار أكثر ضعفًا، لكي يظهر الله قوته أحيانًا لكي يهبنا فهمًا (وقوة) في داخلنا"(3).
3- سأل أحد الأشخاص صديقه: تُرى ما هو الدليل على وجود الله؟ فأجابه: كل إنسان يحمل دليل وجود الله في إبهامه، فبصمة الإبهام ينفرد بها كل إنسان بمفرده بالرغم من أن هناك مليارات من البشر فأنه لا يوجد شخصان على الإطلاق لهما نفس البصمة، فالبصمة هي ختم الله الخالق على يد كل إنسان ليعلم الناس خالقهم.
4- قال أليهو: "مِنْ نَسَمَةِ اللهِ يُجْعَلُ الْجَمْدُ، وَتَتَضَيَّقُ سِعَةُ الْمِيَاهِ" (أي 37: 10)، والجَمْد هو الجليد، فالله يستخدم الرياح الباردة في تجميد السحب، وعندما تتحوَّل السُحُب المنتشرة إلى جليد فإن الجزئيات تقترب من بعضها أكثر فأكثر فتحتل مساحة أقل كثيرًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويقول " متى هنري": "تَتَضَيَّقُ سِعَةُ الْمِيَاهِ... أي أن المياه التي تنتشر وتتسع رفعتها تتجمد، وتُشَل حركتها، فيحصرها الجليد في مكان محدود. هذا مظهر من مظاهر قدرة الله، وتكاد تكون هذه معجزة"(4).
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يُسمح بنزول الجليد (الماء المُجمَّد). وإن كان ظهور الجليد نتيجة عوامل طبيعية، لكن حتى الظواهر لا تتم اعتباطًا، بل الله هو ضابط الطبيعة. يقول المُرتِّل: "الَّذِي يُعطِي الثَّلْجَ كَالصُّوفِ، وَيُذَرِّي الصَّقِيعَ كَالرَّمَادِ. يُلْقِي جَمْدَهُ (ثلجه) كَفُتَاتٍ. قُدَّامَ بَرْدِهِ مَنْ يَقِفُ؟" (مز 147: 16-17)"(5).
5- قال أليهو عن السُحُب: "فَهِيَ مُدَوَّرَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ بِإِدَارَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الْمَسْكُونَةِ، سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ لِلرَّحْمَةِ يُرْسِلُهَا" (أي 37: 12، 13).
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "فتتحرَّكُ كما يشاءَ هُوَ. لتُنفّذَ كلَّ ما يأمُرُها به على وجهِ المسكُونةِ".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "فيدورُ مُتقلّبًا كما يُديرهُ ويأمُرهُ في جميع المسكونةِ".
فالله يحرّك السُّحُب عن طريق الرياح، فتبدو هذه السُّحُب في حركتها كأنها مدورة متقلبة، ويستخدمها الله لتأديب الإنسان على شروره فيرسلها كسيول تُدمّر كل ما يعترضها، والسيول في مخاطرها أشد فتكًا من مخاطر الجفاف، وقد يرسلها الله أمطارًا فتروي الأرض وتنبتها، ويفرّح وجه الأرض بالثمار، وهذا يعكس رحمة الله بالإنسان، وإن كانت السُحُب في حركتها تحتاج لعمل الله وتدبيره، فكم وكم يا أيوب يحتاج الإنسان لتدبير الله؟!!
_____
(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 184، 185.
(2) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 166.
(3) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1260، 1261.
(4) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 186.
(5) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1265.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1603.html
تقصير الرابط:
tak.la/62djfag