ج: 1- بعد أن قدَّم أيوب احتجاجه الشفاهي أمام الله، أراد أن يؤكد أن هذه أقواله، وأنه لن يتراجع عنها، ولذلك قال: "مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي. كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجًا لِي" (أي 31: 35، 36)، وفي هامش هذه الترجمة (فانديك) جاء مقابل لفظة " إِمْضَائِي " " أو تقريري". ففي ختام احتجاج أيوب يلجأ إلى الله عارضًا أمره وملتمسًا حكمه العادل، فقد كان أيوب في حاجة شديدة لسماع صوت الله يعلن حكمه عليه أمام الجميع، فهذا ما تمناه أيوب وما كان يطلبه من قبل عندما قال: "ادْعُ فَأَنَا أُجِيبُ، أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي" (أي 13: 22). والآن يعلن أيوب استعداده للمثول أمام محكمة العدل الإلهيَّة، وأنه مستعد لتقبل الحكم الذي يصدر منها مهما كان، وفي نفس الوقت يحمل الشكوى المقدمة ضده من خصومه على كفه لتضم إلى أوراق القضية.
2- قال أيوب: "إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعًا. إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا، فَعِوَضَ الْحِنْطَةِ لِيَنْبُتْ شَوْكٌ، وَبَدَلَ الشَّعِيرِ زَوَانٌ" (أي 31: 38-40)، فعلى نفس المنوال يسير أيوب إن كنت قد ارتكبت هذه الخطية فإنني أستحق تلك العقوبة، وهو هنا يقول لو أنني اغتصبت من أحد أرضًا ظلمًا وقتلت أصحابها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما عبَّر عنه قائلًا: "أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا"، أو أنني أكلتُ أو بخِستُ أجرة العاملين فيها، وهذا ما عبَّر عنه قائلًا: "أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ"، فلتنبت هذه الأرض شوكًا عوض الحنطة وزوانًا عوض الشعير، ومن المعروف أن سفر أيوب من الأسفار الشعرية التي تستخدم الصوُّر البلاغية بكثرة، فصوَّر الأرض بكائن حي يصرخ، وأتلامها أي الأخاديد أو الخطوط التي يخطها المحراث أو الفلاح تبكي... لماذا..؟ بسبب الظلم الذي وقع على سطحها أو الجرائم التي حدثت فوقها، وهذا أمر اعتدنا عليه في الكتاب المُقدَّس منذ صفحاته الأولى، فقال الله لقايين: "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك 4: 10) فصوَّر الدم بكائن يصرخ... لقد أراد أيوب أن يؤكد أنه حصل على أملاكه بطريقة قانونية صحيحة، لم يغتصبها من أحد، وأيضًا لم يخطئ، فهذه الأرض التي يملكها لم تئن تحت ثقل خطاياه (رو 8: 22).
3- يقول " القديس يوحنا الذهبي الفم": "إن كانت الأرض قد صرخت عليَّ وتباكت أتلامها جميعًا: ولكن فلا الأرض صرخت ولا هي بكت، فما الذي يريد أن يقوله؟ ليس الأرض في الواقع هي التي تصرخ، بل حتى الكائنات الجامدة تستاء من المظالم، كما قال النبي " الأرض قامت وارتعبت"، وهكذا فإن الأرض تصرخ في كل مَرَّة تستغل ثمارها ظلمًا"(1).
4- يقول " لويس صليب": "لأن أيوب بعد أن اتجه إلى الله وإلى الإنسان، ينزل إلى الأرض الجامدة، فهو يتجه إلى أرضه لتشهد بما إذا كان قد استحوذ عليها بغير حق. أو استغل حصيلتها لنفسه وهي تخص غيره إذا كان قد استلب أملاك الآخرين (كما فعل آخاب مع كَرْم نابوت اليزرعيلي) فلتبك أتلامها شاكية متهمة. ولتنبت تربتها الخصبة شوكًا بدل حنطة، وزوانًا عوض الشعير"(2).
_____
(1) تفسير سفر أيوب - إصدار مكتبة المحبة ص 178.
(2) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 108.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1593.html
تقصير الرابط:
tak.la/838xr63