St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1543- كيف يعامل أيوب الله كمن يعامل إنسانًا نظيره، فيطلب من يُصلِح بينهما (أي 9: 33)؟ أم أن أيوب يطلب إلهًا آخر أعلى من الله ليُصلِح بينهما؟ وهل طلب أيوب هذا يُعد طلبًا منطقيًا؟

 

ج: 1- قال أيوب عن الله: "لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أي 9: 32، 33) فواضح تمامًا أن أيوب يدرك جيدًا أن الله ليس إنسانًا نظيره، بل سيظل هو الله الخالق والإنسان هو صنعة يديه، وفيما بعد سيقول عالي الكاهن لابنيه حفني وفينحاس: "إِذَا أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى إِنْسَانٍ يَدِينُهُ اللهُ. فَإِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى الرَّبِّ فَمَنْ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِهِ؟" (1صم 2: 25). كما قال الله على لسان إشعياء النبي: "وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ الأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟" (إش 45: 9). وبالقطع لم يقصد أيوب أن يخاصم جابله، إنما هو يشعر أن جابله غاضب عليه، ولا يفهم لماذا؟ لذلك يشتاق للصلح معه، فهو يُعبّر عن أمنية عميقة تسكن داخله حيث يتوقَ للسلام مع الله، بعد أن شعر أنه طفل صغير حُرِم من الحنان الأبوي، ولذلك يُذكّر الله بهذا قائلًا: "يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا، أَفَتَبْتَلِعُنِي؟" (أي 10: 8).

 

2- واضح من جميع أقوال أيوب في السفر أنه يؤمن إيمان كامل بالوحدانية، ولا توجد أي إشارة من قريب أو بعيد تفيد بأن أيوب سقط في خطية الشرك بالله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إنما آمن بالإله الواحد، ونسب له الخير والشر معًا، ولو كان أيوب يؤمن مثلًا بإلهين لنسب لأحدهما الخير وللآخر الشر، ولكن هذا لم يحدث، ولا يمكن أن تشتم رائحة الشرك بالله في أقوال أيوب، وعندما اشتاق أيوب أن يُوجَد مُصلِح يصالحه مع الله، فهو كان يتطلع بعين النبوءة إلى ذاك الآتي في ملء الزمان، السيد المسيح الإله المتأنس، ليصنع صلحًا بين الله والإنسان، صلحًا أبديًا كاملًا شاملًا، وهذا ما تحقق في العهد الجديد: "وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ... أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ..." (2كو 5: 18، 19). فقد كان من المستحيل علينا إرضاء الله، والتصالح معه، وإذا وصلنا إلى طريق المستحيل، تنازل إله المستحيل ليصالحنا، واتخذ زمام المبادرة، ومن اللحظة الأولى لولادته بالجسد حلَّ السلام على أرضنا هذه، وصنع بدم صليبه صلحًا بين السمائيين والأرضيين.

 

3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "شكوى أيوب تمثل صرخة البشرية منذ سقوطها، فهي في حاجة إلى مصالح يمكن اللجوء إليه ليرد الإنسان إلى الأحضان الإلهيَّة. من هو هذا الذي له القدرة أن يمد يده بالحب ليضم الإنسان إلى الله؟! من هو هذا الذي له تلك الدالة إلاَّ كلمة الله المُتجسِّد، الذي هو واحد مع الآب في ذات الجوهر، ومساوٍ له، وقد صار واحدًا مع بني البشر، صار آدم الثاني؟! إذ الشفيع ربنا يسوع المسيح وحده بلا خطية، فهو قادر أن يقوم بعمل المصالحة بين الآب والإنسان"(1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 366.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1543.html

تقصير الرابط:
tak.la/tyzv8b5