ج: 1- قال أيوب للرب: "أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟" (أي 7: 12) فأيوب يريد أن يقول: أنا إنسان ضعيف مسكين محطم، فلماذا تعاملني يا رب وكأنني بحر هائج يحتاج لقوتك الإلهيَّة لضبطه؟! وهذا ما أوضحه الله لأيوب في نهاية السفر عندما اصطحبه في رحلة العجائب فقال له: "وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ... وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟" (أي 38: 8-11) وفيما بعد ترنَّم المُرنِّم قائلًا: "وَضَعْتَ لَهَا تَخْمًا لاَ تَتَعَدَّاهُ. لاَ تَرْجعُ لِتُغَطِّيَ الأَرْضَ" (مز 104: 9). وقال الرب في سفر إرميا: "أَإِيَّايَ لاَ تَخْشَوْنَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَرْتَعِدُونَ مِنْ وَجْهِي؟ أَنَا الَّذِي وَضَعْتُ الرَّمْلَ تُخُومًا لِلْبَحْرِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لاَ يَتَعَدَّاهَا، فَتَتَلاَطَمُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ، وَتَعِجُّ أَمْوَاجُهُ وَلاَ تَتَجَاوَزُهَا" (إر 5: 22).
وبالمثل قال أيوب: هل أنا يا رب تنين أي حيوان ضخم لا يضبط، يجب أن تكبح جماحه..؟! والتنانين كائنات حية ضخمة من مخلوقات الله العجيبة، نلتقي بها في خامس أيام الخلقة: "فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ" (تك 1: 21) وهي التي أشار أيوب لها، ولم يقصد أيوب التنانين الخرافية في الفكر البابلي الأسطوري كما قال بعض النُقَّاد، والعلاقة بين البحر والتنين أن كليهما يحتاج لقوة إلهيَّة لضبطه، أحدهما من الجماد والآخر من الكائنات الحية.
2- جاء في " دائرة المعارف الكتابية": "تنين - تنانين. أول مَرّة تُذكر فيها كلمة " التنانين" (وهي بنفس اللفظ في العبرية) في الكتاب المُقدَّس، جاءت في القول: " فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الْتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا" (تك 1: 21)، وهي لا تدل على جنس معين من الحيوانات، إنما تشير إلى الزحافات الضخمة -بحريّة كانت أو برّية- بما في ذلك الديناصورات المنقرضة، والوحوش البحريّة أو الثعابين الضخمة (أيوب 7: 12، مز 148: 7) ويقول المُرنِّم: " أَنْتَ شَقَقْتَ الْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ التَّنَانِينِ عَلَى الْمِيَاهِ" (مز 74: 13). كما يقول إشعياء: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ" (إش 27: 1). " اِسْتَيْقِظِي... يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ... أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟" (إش 51: 9). كما يقول إرميا: "أَكَلَنِي أَفْنَانِي نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ... ابْتَلَعَنِي كَتِنِّينٍ" (إر 51: 34). ويزعم البعض (كين وجنكل وغيرهما) أنه في هذه المواضع الأربعة الأخيرة، توجد إشارة إلى الأسطورة البابلية عن خلق العالم، والصراع بين "مردوخ وتيَّمات"، ولكنه زعم لا يقوم على أي أساس، فإننا نعرف من العدد الرابع من المزمور السابع والثمانين، أن " رهب " تدل على قطر معين. أمَّا ما جاء في المزمور (74: 13)، فيشير إلى شق البحر الأحمر أمام الشعب عند خروجهم من أرض مصر، وكيف كسر الرب فرعون ورؤساءه على المياه. أمَّا ما يقوله إشعياء (27: 1) عن " لوياثان الحية الهاربة " و"لوياثان الحية المتحوِّية " و"التنين الذي في البحر"، فإنما يشير إلى بابل وفارس ومصر"(1).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 402.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1536.html
تقصير الرابط:
tak.la/4v7z57v