يقول "علاء أبو بكر": "هل الملائكة من عباد الله المصطفين أم من عباد الله الأشرار؟
الملائكة من عباد الله الأخيار الذين اصطفاهم الله، لا يعصونه أبدًا فيما أمرهم به: "أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ" (1تي 5: 21).
" هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً" (أي 4: 18).
" وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ" (يه 6).
"لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط 2: 4)"(1)(5).
ج: 1- قال " أليفاز التيماني": "أَالإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ اللهِ؟ أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً" (أي 4: 17، 18).
وفي " الترجمة اليسوعية": "ها أنَّه لا يأتمنُ عبيدهُ، وإلى ملائكتهِ ينسبُ غباوةً".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "ها أنه لا يأتمنُ عبيدهُ، وإلى ملائكتهِ ينسبُ حماقةً".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "نرى الله لا يأتمن عبيده، وإلى ملائكتهِ ينسبُ الحماقة".
كما قال "أليفاز" أيضًا: "هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَالسَّمَوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ" (أي 15: 15)، فالذي نطق بهذه الكلمات ليس الله ولا نبي من الأنباء، بل أليفاز التيماني الذي كان له نظرة معينة للأمور أتعبت أيوب، حتى قال أيوب لهم: "أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا" (أي 13: 4، 5) و"مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ!" (أي 16: 1) وأظهر الرب عدم رضائه عن أليفاز وصديقيه في معالجة مشكلة أيوب (أي 42: 7، 8)، لذلك لا يجب أن نأخذ جميع أقوال أليفاز كأمر مُوحىَ به من الله، فالوحي هنا قاصر على توجيه الكاتب لتسجيل هذه الأقوال، ولذلك لا يجب أن نأخذ كل ما قاله أليفاز وصديقيه كأمور مسلم بها، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع فيُرجى الرجوع إلى إجابة س 1504.
2- بادئ ذي بدء دعنا نناقش الموضوع من وجهة نظر أليفاز التيماني الذي كان كل همه الدفاع عن طهارة وقداسة وبرّ الله، فَقَارنَ بين الله وأسمى خلائقه، وإن كانت أسمى الخلائق في نظر أليفاز هم الملائكة لحكمتهم ومعرفتهم، فإن هذه الحكمة وتلك المعرفة بجوار الحكمة والمعرفة اللانهائية تعد نوعًا من الحماقة، وقداستهم وكمالهم بجوار قداسة وطهارة الله وعصمته كلا شيء، بدليل أنه سقط منهم طائفة ليست بقليلة، فيحق لأليفاز أن ينسب لأولئك الملائكة الذين سقطوا الحماقة. كما أن الله لم يأتمن أحد من الملائكة على خلاص جنسنا لأن هذا ليس في استطاعة أحد منهم، لأن الفادي يجب أن يكون غير محدود بينما الملاك محدود، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا ما تُردده الكنيسة في صلوات القداس الإلهي: "لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبي ائتمنتهم على خلاصنا. بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست" (صلاة الصلح للقداس الإغريغوري). وأيضًا قول أليفاز أن الله لا يأتمن قديسيه وملائكته، يمكن أن تؤخذ بمعنى أن الله كامل في ذاته متكامل في صفاته، فهو لم يكن في حاجة إليهم، وهو يجري مشيئته بدون الحاجة إليهم، وعندما يكلف أحد منهم بمهمة فأنه يمنحه القوة اللازمة لتنفيذ هذه المهمة.
وقد أراد أليفاز أن يصل إلى نتيجة وهي إن كان الله لا يأتمن عبيده من الملائكة والأنبياء القديسين، وإن كان ينسب لملائكته حماقة فمن هو أيوب حتى يتبرَّر أمامه..؟! وبمعنى آخر هل يمكن للإنسان أن يكون بارًا بلا عيب أمام الله أو طاهر أمام خالقه..؟! حقًا قال داود النبي: "وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ" (مز 143: 2)، وقال إرميا النبي: "أَبَرُّ أَنْتَ يا رب مِنْ أَنْ أُخَاصِمَكَ. لكِنْ أُكَلِّمُكَ مِنْ جِهَةِ أَحْكَامِكَ" (إر 12: 1).
3- يقول " متى هنري": "الملائكة عبيد الله، رهن إشارته، خُدَّامه (مز 104: 4) هم كائنات منيرة ومباركة. لكن الله ليس في حاجة إليهم، ولا ينتفع منهم، وهو أسمى منهم بدرجة لا تُقاس، ولذلك:
(1) فهو " لاَ يَأْتَمِنُهُمْ " لا يثق كما نثق نحن فيمَن لا نقدر أن نعيش بدونهم. كل خدمة يكلفهم بها يمكنه -إن أراد- أن يتمّمها بدونهم. أنه لم يفضِ إليهم بسره مطلقًا (مت 24: 36) وهو لا يترك أية خدمة لهم بصفة مطلقة (مت 24: 36).. " لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ" (2أي 16: 9).
ويفسر البعض هذه العبارة هكذا: حتى طبيعة الملائكة متقلّبة لدرجة أن الله لا يأتمنهم، ولو كان قد ائتمنهم لكانوا كلهم قد تصرفوا كما تصرف بعضهم إذ تركوا حالتهم الأولى، لكنه رأى أنه من الضروري أن يمنحهم نعمة غير عادية لتحفظهم.
(2) وهو يتهمهم بالحماقة، والبطل، والضعف، وعدم الكمال، بالمقارنة معه. لو كان العالم قد تُرك لإدارة الملائكة، ولو كانوا قد اؤتمنوا بمفردهم على تدبير كل شئونه، لكانوا قد اتخذوا خطوات خاطئة، ولما كان كل شيء قد سار إلى أفضل كما هو الآن...
ومن هذا أستنتج بأن الإنسان بالحري أضعف جدًا، ولا يمكن أن يؤتمن. إن كان يوجد هذا الفرق الشاسع بين الله والملائكة، فكم يكون الفرق بين الله والإنسان..."(2).
كما يقول " متى هنري " أيضًا: "إن أطهر الخلائق غير كاملين وغير طاهرين أمام الله (ع 15) " هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ " الله لا يأتمن القديسين ولا الملائكة، وهو يستخدم هؤلاء وأولئك، لكنه لا يأتمنهم على خدمته دون أن يمدهم بقوة جديدة وحكمة جديدة، لعلمه بأنهم ليسوا كفاة من أنفسهم، وليسوا أفضل مما تجعلهم نعمته. وهو لا يرضى عن السموات نفسها " السَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ " مهما بدت طاهرة في أعيننا ففيها بعض الشوائب في نظر الله"(3). وربما يقصد بالسموات هنا سماء الطيور وسماء الأفلاك.
4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً " يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه يتحدث هنا عن القوات السمائية، فإن الله لا يأتمنهم بمعنى أن طبيعتهم غير معصومة من الخطأ.
يقول القديس باسيليوس في رسالة إلى أمفيليكوس أن للقوات السمائية حرية الإرادة ويمكن أن يميلوا إلى الخير أو إلى الشر، لذا فهم في حاجة إلى مساعدة الروح... وفي مقاله عن الثالوث يقول أن هؤلاء العلويين يستمدون القداسة من الروح القدس حسب رتبة كل منهم. بهذا يظهر أنهم ليسوا صالحين بالطبيعة، بل بالحرية التي تجتذبهم إلى الصلاح والنعمة.
ما يحفظ الملائكة الآن من السقوط هو أن تأملهم في الله ينمو ويتزايد، والأمر الثاني إدراكهم للتجربة التي حلَّت بالطغمات الملائكية الساقطة بسبب كبريائهم، هذا مع مقاومتهم المستمرة للملائكة الأشرار يؤيدهم شوقًا للصلاح وتذكية أمام الله...
حتى الملائكة مع أنها كائنات مقدَّسة لكنها لا تؤتمن على أسرار الله، بل يكشفها الله لمن يشاء. الله هو الراعي الصالح الذي يتعهد كرمه بنفسه، لا يسلم شئونه بالكامل في أيدي السمائيين أو الأرضيين، مهما بلغت طهارتهم أو قداستهم، فالملائكة إن قورنوا بالله حُسبوا حمقى، وإن قورنوا بحكمته حُسبوا جهلاء"(4).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ4 س 239 ص 249.
(2) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 77.
(3) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ2 ص 13.
(4) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 180، 181.
(5) راجع أيضًا البهريز جـ1 س 201.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1529.html
تقصير الرابط:
tak.la/f8xx3m9