ج: 1- لم يذكر الكتاب اسم المرض الذي أصاب أيوب، ولكنه اكتفى بالقول: "فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ" (أي 2: 7، 8)، فقد صار جسد أيوب كله سقيمًا، وقد ذكر الكتاب الأعراض التي انتابت أيوب نتيجة هذا المرض الخطير، وهي:
أ- الشعور بآلام مُبرحة بالجلد، وإذ لم يكن لديه المراهم الشافية أخذ شقفة ليحتك بها، فكان ضررها أكثر من فائدتها كثيرًا (أي 2: 8).
ب- تغيُّر هيئته حتى أن أصدقائه لم يتعرفوا عليه (أي 2: 12).
جـ- الأرق: "اللَّيْلُ يَطُولُ، وَأَشْبَعُ قَلَقًا حَتَّى الصُّبْحِ" (أي 7: 4).
د- تقيُّح الجروح وخروج ديدان منها: "لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ" (أي 7: 5).
هـ- الأحلام المزعجة والكوابيس: "تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ، وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى" (أي 7: 14).
و- صعوبة التنفس: "فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ" (أي 7: 15).
ز- صعوبة السير: "فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ" (أي 13: 27).
حـ- نوبات البكاء: "اِحْمَرَّ وَجْهِي مِنَ الْبُكَاءِ وَعَلَى هُدُبِي ظِلُّ الْمَوْتِ" (أي 16: 16).
ط- الرائحة الكريهة: "نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ امْرَأَتِي، وَخَمَمْتُ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي" (أي 19: 17).
ي- آلام في العظام: "اللَّيْلَ يَنْخَرُ عِظَامِي" (أي 30: 17).
ك- ارتفاع درجة الحرارة: "وَعِظَامِي احْتَرَّتْ مِنَ الْحَرَارَةِ فِيَّ" (أي 30: 30).
هذا بالإضافة للآلام النفسية الرهيبة، من جراء فقدانه جميع ممتلكات، وكل أولاده وبناته، ولم يتبقى له إلاَّ زوجته التي تدفعه للانتحار (أي 2: 9)، ومعارفه قد تنكَّروا له والأصاغر احتقروه (أي 30: 1، 10)، والذي جاءوا ليعزونه صاروا عبئًا نفسيًا عليه بسبب اتهاماتهم له حتى قال لهم: "أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ" (أي 13: 4)... " مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ!" (أي 16: 2)... " حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ؟" (أي 19: 2).
2- جاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي": "طبيعة مرض أيوب غير معروفة بشكل قاطع، إلاَّ أن أعراضه كانت ظهور دمامل مؤلمة متقيحة في كل الجسم (أي 7: 5)، وكوابيس (أي 7: 14)، وتسلّخ طبقات من الجلد وتحوّلها إلى اللون الأسود (أي 30: 28، 30)، وتشوهات ومظهر مقزز (أي 2: 12، 19: 19)، رائحة أنفاس سيئة (أي 19: 17) نحافة مرضية (أي 17: 7، 19: 20)، وألم متواصل نهارًا وليلًا (أي 30: 17) قروحه: الأصل العبري لهذه الكلمة مُترجم " دمامل " في (خر 9: 9، لا 13: 18، 2مل 20: 7)"(1).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب: "ما أن نال الشيطان الإذن حتى انقض على جسم أيوب ليضربه بمرضٍ عنيفٍ للغاية. لم يضربه بقرحةٍ واحدةٍ، ولا عدة قروح. إنما بقروحٍ من باطن قدمه حتى يعجز عن المشي إلى هامته. لا يقدر أن ينام على أحد جانبيه ولا على ظهره أو حتى بطنه، ولا أن يجلس، ولا أن يقف، فكل جسمه باستثناء لسانه كان مملوءً بالقروح. لم يجد حتى الكلاب لتلحس قروحه، كما حدث مع لعازر المسكين (لو 16: 21)"(2).
4- بشأن الفتوى رقم 159481 في 25/6/2011م ردًا على السؤال: "ما صحة الرواية التي وردت عن سيدنا أيوب عليه السلام أنه كان في مرضه قد بلغ به الحال أن كان الدود يأكل من لحمه؟ وهل هذه الرواية صحيحة أم أنها من الإسرائيليات؟".
وجاءت الإجابة: "فأنه من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى ابتلى نبيه أيوب عليه السلام حتى قيل أن أقاربه ابتعدوا عنه، ولم يصبروا على تمريضه والقيام بأمره لطول مدة البلاء إلاَّ رجلين من أخص إخوانه، ولكن ما أصابه من الضرر لم يكن بالصفة المنفرة التي يذكرها القصَّاص والأخباريون مثل ما ذُكر في السؤال، بل هو منقول من الإسرائيليات وأهل الكتاب الذين حرَّفوا كتبهم المنزَّلة".
والحقيقة أن دعوى التحريف قد أجبنا عليها من قبل بالتفصيل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ5 س314 إلى س 318. أما بشأن مرض أيوب، فقد قال أيوب عن نفسه: "لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ" (أي 7: 5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا التعبير يحتمل المعنى الحرفي أو المعنى المجازي، فإن كان أيوب يقصد المعنى المجازي وهذا جائز ويتمشى مع طبيعة السفر الشعرية، فأنه يعبر عن الآلام التي تنهش جسده بالدود الذي يلتهم لحم الفريسة، كما أن السيد المسيح عندما تحدث عن نهاية الأشرار قال: "حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ" (مر 9: 44). وإن كان أيوب يقصد المعنى الحرفي فأنه أمر مقبول أيضًا، لأن أي إنسان بعد موته يصير جسده فريسة للديدان، بل أن هيرودس الملك وهو ما زال حيًّا عندما تكبَّر وتجبَّر ضربه ملاك الرب فدوَّد ومات: "فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ" (أع 12: 23).
5- يقف ضد فتوى الأزهر ما ذكره بعض كبار الكتَّاب المسلمين، فمثلا قال " ابن كثير": وحكى ابن عساكر:... ابتلى في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبقَ منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه... وقال السدى: تساقط لحمه حتى لم يبقَ إلاَّ العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته..."(3).
وقال " الثعلبي" (أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري) أن الشيطان أثار زوجة أيوب: "فجاءت تصرخ وقالت: يا أيوب إلى متى يعذبك ربك ولا يرحمك؟ أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ أين ثوبك الحسن قد تغيَّر وصار مثل الرماد؟ وأين جسمك الحسن قد بُليَ وهو يتراء فيه الدود"(4).
وقال " دكتور رشدي البدراوي": "قال ابن كثير (في كتابه البداية والنهاية جـ 1 ص 207) أنه أصيب بالجزام في سائر بدنه ولم يبقَ منه سليمًا سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل. وقال الحسن البصري وقتادة: ابتلى أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهرًا يرعى في جسده الدود وتعبث به الدواب. وقال السدى: تساقط لحم أيوب حتى لم يبقَ إلاَّ العصب والعظم"(5).
وناقش هذا الأمر الأستاذ " عبد الوهاب النجار " فقال: "أن الناس يرون في بلاء أيوب أقوالًا يوردونها تدل على أنه مَرِضَ مرضًا مشوهًا ومنفّرًا للناس من قربانه والدنو منه، وهذا يتنافى مع منصب النبوة، وقد قرَّر علماء التوحيد أن الأنبياء منزَّهون عن الأمراض المنفّرة، فكيف يتفق ذلك مع منصب النبوة؟
والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن الابتلاء على الوجه الذي يقولون به كان قبل النبوة...
الثاني: أن المبالغين في ضر أيوب إنما اعتمدوا فيما يقولون على ما جاء عند أهل الكتاب في السفر المُسمّى سفر أيوب. وإذا ثبت أن هذا السفر حقيقي فعبارته نؤوله.
ففي هذا السفر ما نصه " فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ" (أي 2: 7).
" لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي، وَمِثْلَ الْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي" (أي 3: 24).
" قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي" (أي 10: 1).
" وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ" (أي 13: 28).
قرأوا ذلك فحسبوا هذا القول على وجه الوصف الحقيقي، ولو تدبروا لعلموا أن سفر أيوب يشبه قصائد شعرية قيلت في وصف ضره وصبره، والشعر في كل لغة ميدان المبالغة"(6).
_____
(1) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1194.
(2) تفسير سفر أيوب جـ1ص 98.
(3) قصص الأنبياء للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير ص 171، 172.
(4) قصص الأنبياء المُسمّى عرائس المجالس ص 142.
(5) قصص الأنبياء والتاريخ جـ3 - إسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ص 598.
(6) قصص الأنبياء ص 416، 417.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1521.html
تقصير الرابط:
tak.la/8jby5wa