ج: 1- المعنى واضح تمامًا في السفر، فقد تآمر سنبلَّط وطوبيا والعرب والعمونيون والأشدوديون لكيما يحاربوا أورشليم، وعندما بلغ هذا النبأ نحميا لم يخف ولم يكف عن العمل، بل صلى مع الشعب وأقاموا حراسًا نهارًا وليلًا، ولما سمع الأعداء كفوا عن محاولتهم، فرجع نحميا ورجاله إلى العمل، فيقول "ومنْ ذلِكَ الْيَوْمِ كَانَ نِصْفُ غِلْمَانِي يَشْتَغِلُونَ فِي العَمَل، وَنِصْفُهُمْ يُمْسِكُونَ الرِّمَاحَ والأترَاسَ وَالْقِسِيَّ وَالدُّرُوعَ... البَانُون عَلَى السُّورِ بَنَوْا وَحَامِلُو الأَحْمَالِ حَمَلُوا. بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ، وبالأُخْرَى يَمْسِكُونَ السِّلاَحَ. وَكَانَ الْبَانُونَ يَبْنُونَ، وَسَيْفُ كُلُّ وَاحِدٍ مَرْبُوطٌ عَلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ النَّافِخُ بالبُوقِ بِجَانِبِي" (نح 4: 16 - 18). فواضح أن عدد منهم كان يعمل ويبني والآخر يحرس، ثم يتناوبون المواقع، وبهذا قسّموا وقتهم بين العمل والحراسة، حتى قيل عنهم أنهم باليد الواحدة يعملون وبالأخرى يمسكون السلاح، وهذا وصف تعبيري، لأنه من الطبيعي أن الإنسان يحتاج أثناء العمل إلى كلتا يديه، ولكن هذا وصف يعبر عن قرب السلاح منه وأنه في متناول يده، فالحراس لا يتخلون عن مواقعهم وهم يحملون الرماح والأتراس والقسيّ والدروع، وحتى الذين يبنون كان كل واحد يحمل سيفه على جنبه، وحتى من يذهب إلى الماء لا يتخلى عن سلاحه، وكل هذا علامة اليقظة المستمرة والاستعداد الدائم.
2- يقول "القمص تادرس يعقوب": "يقول آدم كلارك أن هذا ليس بالأمر الغريب، فأنه في فلسطين إلى وقت قريب حينما يقوم أحد حتى بإلقاء البذور في الأرض يرافقه حارس حتى لا يهجم عليه أحد من البدو ويسلبه البذور... يرى البعض أنه عمليًا لا يستطيع أحد أن يقوم بعمل البناء بيد واحدة، بينما يمسك بالأخرى سلاحًا. إنما ما ورد هنا فيشير إلى أن العاملين نصفهم يعملون والنصف يحملون السلاح بالتساوي، وربما كانوا يتبادلون الموقف، فالبناؤون يحملون السلاح، وحاملوا السلاح يبنون، بهذا يُحسب كأن كل منهم يبني بيد واحدة، ويحمل سلاحًا بيده الأخرى"(1).
3- يقول "ديريك كيدنر": "والآن ينضم فريق جديد" الأشدوديون: إلى تحالف الشمال (سنبلط والسامرة) والشرق (طوبيا والعمونيين) والجنوب (العرب)، ليكونوا بمثابة تهديد لليهود من الغرب... إن الملاحظة الشهيرة: "فصلينا إلى إلهنا وأقمنا حراسًا" يعكس في جلاء ووضوح إيمان نحميا... ويبدو أن المتآمرين أنفسهم من خلال حكمهم على فشلهم في القيام بالهجوم عليهم، قد أصبحوا موزعي الفكر ما بين الحرب الباردة والحرب الساخنة. إلاَّ أن رد الفعل الحاسم من نحميا قد أفشل كل مؤامراتهم. لقد فشلوا في بث الرعب في نفوس اليهود، كما أصبحت المباغتة غير ذات موضوع... إن العبارة الشهيرة "يد تحمل السلاح ويد تعمل وتبني" أصبحت شعار هؤلاء القوم، وقد توصلوا إلى هذا الشعار بعد التروي وإعمال الفكر. إن البنائين في حاجة إلى أن تكون أيديهم حرة لكي يستخدمونها في البناء، ومن هنا وضعوا سيوفهم في أحزمتهم... ما كان من المعقول أن يتمسك أمر الدفاع بأن يحارب كل رجل من أجل نفسه، وكان الحل هو نظام النوبات، وتعيين نوبات حراسة... وكان الجميع تحت إمرة قائد واحد، ووسيلة نداء واضحة... بيد أنه بالنسبة لنحميا، لم تكن هذه إلاَّ مجرد احتياطات وإن كانت بارعة إلاَّ أن قيمتها محدودة، ذلك أن ثقته كانت أعمق من ذلك بكثير، لإيمانه بأن الله يحارب عنهم. لقد كان على يقين تام بما جاء في المزمور 127: "إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ المَدينَة، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الحَارِسُ..."(2).
_____
(1) تفسير سفر نحميا ص 90، 91.
(2) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - سفر عزرا ونحميا ص 129 - 132.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1466.html
تقصير الرابط:
tak.la/5jkx4g2