ج: سبق وتم توضيح بعض هذه الانتقاضات، فلاهوت التحرير هو التطبيق العملي للاهوت التحرُّر، وقد ورث عنه كل هرطقاته مثل إنكار وحي الكتاب المقدَّس، وتأويل نصوص الكتاب لتتوافق مع أفكار لاهوت التحرير، ومثل اختلاط فكر لاهوت التحرير بالفكر الماركسي الذي يقر العنف والثورة، ويُعمّم نظرية الصراع الطبقي، ومثل خلط الدين بالسياسة أي تسييس الدين، ومثل خلط الأديان معًا ومحاولة الوصول إلى لاهوت تحرير إسلامي مسيحي بوذي، وإن إطلاق تعبير " لاهوت " على هذا الفكر غير صحيح، وكان من الأولى دعوته بنظرية التحرير... إلخ.
ومع هذا فإن من أهم الانتقادات التي تواجه لاهوت التحرير ما يلي:
1- الحرية الحقيقية هي الحرية الروحيَّة كما قال السيد المسيح " إن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36) كما أوصانا الإنجيل " فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حرَّرنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غل 5: 1) فعندما ينال الإنسان حريته الروحية سيحب أخاه ويقدم له كل خير، لن يظلمه ولن يقهره، بل سيكون نبع خير وحب للجميع.
2- يركز لاهوت التحرير على البعد الاجتماعي دون البعد الروحي، بينما تركز المسيحية على البعد الروحي الذي يؤثر بالإيجاب على البعد الاجتماعي، وقد أوصانا الكتاب " تحب قريبك كنفسك" (لا 19: 18، مت 22: 39، يع 2: 8) وأوضح السيد المسيح في مثل السامري الصالح مفهوم القريب على إنه أي إنسان يحتاج للمساعدة بغض النظر عن جنسيته أو لونه أو ديانته.
3- من السهل أن الإنسان المسيحي يلتقي مع الآخر متى عاش بوصايا الإنجيل " مهتمين بعضكم لبعض اهتمامًا واحدا" (رو 12: 16).. " وليعطيكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتمامًا واحدًا فيما بينكم بحسب المسيح يسوع" (رو 15: 5).. " أخيرًا أيها الأخوة افرحوا. أكملوا. تعزوا. اهتموا اهتمامًا واحدًا" (2كو 3: 11) بل إن الإنجيل علمنا أن تجاهل فعل الخير يعد خطية " فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطية له" (يع 4: 17) كما إن الكنيسة بكل شعبها تعيش في وحدانية واحدة، فالجميع يجلسون معًا يتلقون التعاليم النقية، والجميع يعبدون الله معًا، والجميع يمارسون الأسرار الكنسية بدون أي تمييز.
4- إن كان لاهوت التحرير يهتم بفئة واحدة وهي فئة الفقراء المظلومين اجتماعيًا، فإن المسيحية تهتم بكل الفئات، وكم من أغنياء فقراء في روحياتهم مقهورين من خطاياهم؟! وكم من فقراء يعيشون في ملء الحرية؟!.
5- من الانتقادات التي ذكرها د. حسن حنفي أن " لاهوت التحرير إلحاد صريح، فقد استبدل بالله الإنسان، وبالوحي التاريخ، وبالأنبياء قادة الشعوب، وبالملائكة زعماء حركة التحرير الوطني، وبالآخرة الدنيا، وبالإيمان الثورة، وبالصليب البندقية، وبالقداس الخلية، وبالكنيسة الحزب الثوري، وبالتجسد الشعب والأرض، وبالمؤمنين العمال والفلاحين... لاهوت التحرير في النهاية نوع من المعارضة الفكرية والثقافية العامة أكثر منه معارضة سياسية فعلية في الدولة. لا تكون حزبًا سياسيًا معارضًا في مواجهة السلطة القائمة بل تكتفي بالوعي الديني السياسي وتقوم بدور التنوير العام بالحقوق والواجبات. ترفضه الكنيسة الرسمية ولا يعترف به مجمع اللاهوتيين، بل وكتبت الكنيسة ضده بيانًا تُعدّد مخاطره وإن لم تحرمه"(1).
6- أكد الكاردينال البرازيلي " الفريدو شيرر " Alfredo Scherer أن لاهوت التحرير يثير انشقاقات خطيرة داخل الكنيسة(2).
7- ينتقد أصحاب لاهوت التحرير الكنيسة بقسوة فيقول الأب "بدور أروبيه" رئيس عام الرهبنة اليسوعية عن دعاة لاهوت التحرير " فأحيانًا ما يقوم بعضهم بانتقاد الكنيسة، وكأنهم لا ينتمون إليها، لا بل يصلون إلى حد عدم الاعتراف بها... ومن المناسب أن نقول أن تبني التحليل الماركسي غالبًا ما يقود إلى انتقادات في منتهى القسوة، لا بل غير عادلة تجاه الكنيسة"(3).
8- ينادي لاهوت التحرير بقبول التحليل الماركسي فقط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي الواقع لا يمكن قبول التحليل الماركسي بدون قبول الفلسفة والسياسة الماركسية، وقبول الفلسفة والسياسة الماركسية يقودنا إلى قبول الازدراء بالأديان، وقبول رأي كارل ماركس الذي ادعى أن " الدين أفيون الشعوب". إذًا لاهوت التحرير يقود للماركسية التي هي ضد الأديان بصفة عامة وضد المسيحية بصفة خاصة.
9- تحترم المسيحية حرية الإنسان وممتلكاته، ولا توافق تحت أي مسمى أن تجير على الأغنياء وتغتصب ثروتهم لكيما توزعها على الفقراء والمظلومين، ولا تقر الكنيسة العنف من أجل تحرير الفقراء والمظلومين، إنما تفضل دائمًا طريق الحوار والتوافق ومحبة الأعداء، وقال " ريتشارد نيبور " Richard Niebuhr(4) " إن الحياة البشرية قديرة على الخير والشر معًا، على العدل والظلم معًا، وعليه فإن كل إنسان متى أدرك دوره، أمكنه أن يصححه، والأغنياء يحتاجون إلى توعية بالموقف Concientization ليقوموا بدورهم، في الوقوف بجانب الفقراء ومساندتهم، والتوعية وحدها لا تكفي، فلابد من خطة عمل ترافقها لتحقيق الأهداف المنشودة"(5)(6).
10- يقول القس " مرزوق حبيب".. " عندما ظهر لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية لم يحقق أهدافه، فقد تحوَّلت حركة اللاهوت التحريري من أجل الفقراء إلى حركة خمسينية حيث كانت مجرد حركة تطبيقية للاهوت التحرير"(7).
_____
(1) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير - رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 73، 74.
(2) راجع الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 6.
(3) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 137.
(4) راجمان ص 91.
(5) راجمان ص 54، 55.
(6) د. ق صموئيل حبيب - لاهوت التحرُّر ص 42.
(7) مجلة الهدى - عدد 919 - يناير 1990م ص 23.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/142.html
تقصير الرابط:
tak.la/432zwjm