St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1330- هل ما قام به أليشع من ضرب جيش آرام بالعمى (2مل 6: 18-24) يعدُّ مسرحية سخيفة، أم أنه يعدُّ نوعًا من المبالغة، والتغطية على أحداث حصار السامرة؟

 

          قال بعض النُقَّاد: "التضليل الغريب الذي أصاب الآشُّوريين بالعمى العقلي نقدر أن نقول أنهم اختبلوا وغاب صوابهم، وأن الطريقة الحيلية التي تمت بها هذه الواقعة كانت تنطبق تمامًا على ما كان معروفًا من ألاعيب أليشع"(1).

          ويقول " ليوتاكسل": "أن أليشع أنقذ إسرائيل من تدخل القوات الآرامية في أراضيها، بيد أن السطر (العدد) الرابع والعشرين يفيد بما يلي {وكان بعد ذلك أن بنهدد ملك آرام جمع كل جيشه وصعد فحاصر السامرة} وهروبًا من ضرورة تفسير هذا التناقض الغبي، لا يتحدث واضعوا كتب تعليم "التاريخ المقدَّس" إلاَّ عن عجيبة ضرب الجيش الآرامي بالعمى. وهكذا يُصعّد بنهدد مسرح الأحداث ثانية"(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كلما أحاق ملك آرام مؤامرة لملك إسرائيل كان يفاجئ بفشلها لأن ملك إسرائيل قد علم بها، فشكَّ في رجاله وسألهم: "مَنْ مِنَّا هُوَ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ: لَيْسَ هكَذَا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. وَلكِنَّ أليشع النَّبِيَّ الَّذِي فِي إِسْرَائِيلَ، يُخْبِرُ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بِالأُمُورِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ بِهَا فِي مُخْدَعِ مِضْطَجَعِكَ" (2مل 6: 11، 12) فسعى ملك آرام للقبض على أليشع، وعندما علم أنه في دوثان لم يرسل عدد من الجنود ليحضروه، إنما " أَرْسَلَ إِلَى هُنَاكَ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا ثَقِيلًا، وَجَاءُوا لَيْلًا وَأَحَاطُوا بِالْمَدِينَةِ" (2مل 6: 14) لقد أراد ملك آرام أن يحرم إسرائيل من أليشع الذي يكشف خططه ومؤامراته، وربما ظن ملك آرام في سذاجة أن يستغل أليشع لصالحه، فيكشف له عن الأمور التي غمضت عليه، وكان عدد الذين حاصروا دوثان ضخمًا، حتى انزعج تلميذ أليشع، فصلى أليشع من أجله ليفتح الله عينيه " فَأَبْصَرَ وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أليشع. وَلَمَّا نَزَلُوا إِلَيْهِ صَلَّى أليشع إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: اضْرِبْ هؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى. فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَقَوْلِ أليشع" (2مل 6: 17، 18). ثم قادهم أليشع من دوثان إلى السامرة نحو 12 ميلًا، وأمر الملك أن يولم لهم وليمة، وصلى ثانية ففتح الله أعينهم ووجدوا أنفسهم في عقر دار عدوهم، وإذ بهم وهم يتوقعون الذبح يجدون أنفسهم ضيوف، وبنو إسرائيل يقومون على خدمتهم، فاهتز كيانهم وهم لا يصدقون ما يجري، وشعروا بالأمن والطمأنينة فأكلوا وانصرفوا، وأخبروا ماذا فعل بهم أليشع، فلم يعد آرام لمحاربة إسرائيل إلى حين... هذه معجزة عجيبة هدفها واضح ونبيل، وهو عدم مقابلة الشر بالشر، بل مقابلة الشر بالخير، وهل معجزة مثل هذه حيث أُصيب هذا الجيش بالعمى المؤقت تستعصي على الله..؟! فما الداعي للتشكيك في المعجزة، واعتبارها مسرحية سخيفة أو نوعًا من المبالغة..؟! أنه عدو الخير الذي لا يكف عن مهاجمة كلمة الله بألف وسيلة ووسيلة، ولكن نحن في ملء الثقة أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.

 

2- تساءل البعض: كيف يكذب أليشع على جنود آرام ويقول لهم ليس هذا هو الطريق ولا هذه هي المدينة؟

     عندما ضرب الرب جنود آرام بالعمى خرج أليشع من دوثان ولم يعد فيها، وبالتالي فأنهم لن يجدوه في دوثان، إذًا ليس هذا هو الطريق الذي يصل بهم إلى أليشع الآن بعد أن ترك المدينة وقال لهم "أتبعوني فأسير بكم إلى الرجل الذي تفتشون عنه" وقادهم للسامرة، وهناك وجدوه أمامهم، ويقول "القمص تادرس يعقوب": "كيف يكذب رجل الله على هؤلاء الجنود؟ هل الكذب مُبَاح في حالة الحروب؟

     ما قاله أليشع لم يكن في الحقيقة كذبًا، لأن جنود آرام كانوا ذاهبين إلى دوثان لأسر أليشع، لكن الله أعماهم، وجاء أليشع إلى المدينة للقائهم خارج المدينة، وكان ذلك فعلًا خارج دوثان، وبهذا لم يكن دخول دوثان هو الطريق الصحيح للقبض على أليشع. وذهب أليشع أمامهم إلى السامرة، وقال لهم: "اتبعوني فأسير بكم إلى الرجل الذي تفتشون عنه"، وكان هذا صحيحًا، سار بهم إلى السامرة، وعندما وصل هناك، فتح الله أعينهم ورأوا أليشع، فسأل الملك أليشع هل أقتلهم، لكن أليشع طلب أن يوضع أمامهم خبز وماء... كما طلب أليشع لهم العمى طلب من الله أن يفتح لهم أعينهم، فالله في سلطانه وإن سمح بالعمى لأجل تأديبهم وتعرفهم على عجزهم، وأن يسمح لهم بالبصر لكي تبصر قلوبهم الحق الإلهي"(3).

 

3- لم يتبع أليشع حيل سحرية ولا ألاعيب شيطانية، فإن أليشع هو رجل الله القديس الذي لا يجامل أحدًا في الأمور الإيمانية، ودائمًا يشعر أنه واقف على الدوام أمام الله الحي، فمال النبي المتعفف بالحيل والألاعيب..؟! هل استعمل أليشع في هذا الموقف السحر والشعوذة والتعاويذ..؟! كلاَّ... أنه لم يستخدم سوى الصلاة لله القادر على كل شيء، وإن كان قد طلب من الله أن يعمي الناس، وهذا أمر لا يليق، لأن الله يفتح أعين العميان ولا يعمي أعين المبصرين، لكن عندما ننتظر قليلًا نكتشف الهدف من كل ما جرى... طلب أليشع من الله أن يعميهم بصفة مؤقتة لحين اقتيادهم إلى السامرة لاستضافتهم وإكرامهم وإطعامهم، وإظهار روح الحب والمودة لهم، ومساعدتهم على الخلاص من الشر وكراهية الآخر... هذا ما حدث بالفعل، وقد أتى بثماره الحلوة... ثمار السلام بين المملكتين. وبينما الشيطان يجتهد دائمًا في إشعال الحرائق، فإن رجل الله أليشع ساعد في إطفاء هذه الحرائق، وقول الناقد أن الذين أُصيبوا بالعمى هم الآشوريين نقول له أنهم جنود آراميون وليس آشوريين.

     ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس" عن جنود آرام: "ويظهر أنهم كانوا مرابطين في مكان عالٍ، ونزلوا إلى المدينة لكي يمسكوا بأليشع ويأخذوه إلى ملكهم كأسير، ولكن أليشع صلى إلى الرب لكي يضربهم بالعمى فضربهم الرب حسب قوله... وفي الغالب لم يطلب أن يضربهم بالعمى الكامل، بل بعمى جزئي حتى تخطئ أعينهم النظر، ولا تستطيع أن تميز الأشياء ولا الناس ولا الطرق، يدل على ذلك أنهم ساروا إلى السامرة وهم لا يعلمون أين هم ذاهبون ولا يعرفون الشخص الذي يقودهم، ولم يكن العمى مستمرًا بل وقتيًا لأن أليشع صلى فأبصروا من جديد كما هو واضح في (ع 20) ولعل ما أصابهم كان مشابهًا لما يُسمى (العمى الليلي) مع أنهم كانوا في الصباح وربما في رابعة النهار"(4).

 

4- ساد السلام بين مملكتيّ آرام وإسرائيل إلى حين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن شعب إسرائيل لم يحفظ إحسان الله إليه، وعاد إلى شروره، فكان من الطبيعي أن الله يتخلى عنهم، وفعلًا تخلى الله عن شعبه العنيد الصلب الرقبة: "وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَصَعِدَ فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ" (2مل 6: 24) وكان حصارًا مرًّا حتى أكلت الأمهات أبنائهنَّ، وهذا ما سبق وحذر الله منه قديمًا وحديثًا مرارًا وتكرارًا:

أ  - سبق الله وقال لشعبه: "وَإِنْ كُنْتُمْ بِذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ سَاخِطًا، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ" (لا 26: 27 - 29).

ب - قال الله أيضًا: "فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ، لَحْمَ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ الَّذِينَ أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقَةِ الَّتِي يُضَايِقُكَ بِهَا عَدُوُّكَ" (تث 28: 53).

جـ- قال الله بلسان أرميا النبي: "وَأُطْعِمُهُمْ لَحْمَ بَنِيهِمْ وَلَحْمَ بَنَاتِهِمْ، فَيَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ صَاحِبِهِ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الّذِي يُضَايِقُهُمْ بِهِ أَعْدَاؤُهُمْ وَطَالِبُو نُفُوسِهِمْ" (أر 19: 9).

د  - قال أرميا في مراثيه: "اُنْظُرْ يَا رَبُّ وَتَطَلَّعْ بِمَنْ فَعَلْتَ هكَذَا؟ أَتَأْكُلُ النِّسَاءُ ثَمَرَهُنَّ، أَطْفَالَ الْحَضَانَةِ؟" (مرا 2: 20).. " أَيَادِي النِّسَاءِ الْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ. صَارُوا طَعَامًا لَهُنَّ فِي سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي" (مرا 4: 10).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهدين القديم والجديد جـ 1 ص 196.

(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 444.

(3) تفسير سفر الملوك الثاني ص 211، 212.

(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الثاني ص 86.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1330.html

تقصير الرابط:
tak.la/7gm8mc6