يقول " ليوتاكسل":
"لا ريب أن " الحمامة الإلهيَّة " نسيت وهي تروي هذه الحكاية "
المقدَّسة " أنها هي نفسها التي قصت في زمان مضى قصة اليهود الذين
ساروا طوال ثمانية وثلاثين عامًا من جبل حوريب إلى ضواحي بئر سبع...
المسافة من جبل حوريب إلى بئر سبع (التي قطعها
موسى) أطول من
المسافة من بئر سبع وجبل حوريب (التي قطعها إيليا) بثلاث مائة وسبع
وأربعين مرة، لذلك سار
موسى
ثمانية وثلاثين عامًا، ولم يسر إيليا
سوى أربعين يومًا... وما يُؤسف له أن التوراة لم تقل لنا شيئًا عن
طريقة صنع الرغيف الذي استمر مفعوله في معدة إيليا طوال أربعين
يومًا"(1).
ج: 1- جاء في سفر الملوك أن إيليا هرب من وجه
إيزابل وهو مُحبَط،
وسار مسيرة يوم بالإضافة للجهد الذي بذله وهو يركض من جبل الكرمل
إلى يزرعيل، وتحت شجرة رتمه (شيح) جلس ليستريح وهو يطلب الموت،
ثم اضطجع تحت الشجرة، وإذ بملاك يوقظه ليأكل ويشرب، ووجد إيليا
بجوار رأسه كعكة رضفٍ، أي مخبوزة على حجارة مُحماة كما كان يفعل
العرب، وكوز ماء، فأكل وشرب وعاد فاضطجع، وإذ الملاك يوقظه
ثانية ليأكل لأن أمامه مشوار طويل من السفر " فَقَامَ
وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ
أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ
حُورِيبَ" (1مل 19: 8). ولم يكن إيليا الإنسان الأول الذي
انقطع عن الطعام أربعين يومًا، فقد سبقه في هذا المضمار
موسى النبي
عندما صعد على الجبل لاستلام الوصايا مرتين: "أَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ
لَيْلَةً لاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً" (تث 9:
9).. " كَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ
نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ
يَشْرَبْ مَاءً"
(خر 34: 28) وهكذا يظهر التواصل بين
موسى النبي
الذي يمثل
الناموس، وإيليا النبي الذي يمثل الأنبياء، والإثنان يعودان
ويظهران مع
السيد
المسيح
على جبل التجلي، والسيد
المسيح
" فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً،
جَاعَ أَخِيرًا"
(مت 4: 2) وفي صوم
السيد
المسيح
لم يتدخل اللاهوت لتخفيف حدة
الجوع عن الناسوت، ولذلك قيل " جَاعَ أَخِيرًا
" فلو أن اللاهوت تدخل ما كان
السيد
المسيح
يشعر بالجوع.
إذًا لم يكن صوم إيليا حالة فريدة في تاريخ البشرية، مع
أن إعالة الرب له كان أمرًا فريدًا، فتارة يرسل الغربان لتعوله،
وتارة يُجنّد أرملة لتعوله بمعجزة إلهيَّة عجيبة، وتارة يرسل
ملاكه ليطعمه ليدرك النبي أنه موضع رعاية وعناية رب الملائكة.
2- عندما خرج
موسى
بالشعب من أرض مصر لم ترحل المسيرة إلى
أرض كنعان مباشرة، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
لأن الاثني عشر رجلًا الذين أرسلهم
موسى
لتجسَّس
أرض كنعان عادوا وشكَّك عشرة منهم في إمكانية امتلاك تلك الأرض
التي سكانها جبابرة ومدنها حصينة (عد 13: 27 - 29) فرفعت كل
الجماعة صوتها وصرخت وبكت (عد 14: 1) وغضب الله عليهم وجاء
الحكم الإلهي بموت كل الجيل الذي خرج من أرض مصر من سن العشرين
فصاعدًا باستثناء كالب ويشوع (عد 14: 29 - 35) " فَجُثَثُكُمْ أَنْتُمْ تَسْقُطُ فِي هذَا الْقَفْرِ، وَبَنُوكُمْ
يَكُونُونَ رُعَاةً فِي الْقَفْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً،
وَيَحْمِلُونَ فُجُورَكُمْ حَتَّى تَفْنَى جُثَثُكُمْ فِي
الْقَفْرِ" (عد 14: 32، 33) وقال
موسى النبي: "وَالأَيَّامُ الَّتِي سِرْنَا فِيهَا مِنْ قَادَشَ بَرْنِيعَ
حَتَّى عَبَرْنَا وَادِيَ زَارَدَ، كَانَتْ ثَمَانِيَ
وَثَلاَثِينَ سَنَةً، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الْجِيلِ، رِجَالُ
الْحَرْبِ مِنْ وَسَطِ الْمَحَلَّةِ، كَمَا أَقْسَمَ الرَّبُّ
لَهُمْ" (تث 2: 14).
والحقيقة أن المسافة بين بئر سبع وجبل حوريب تستغرق نحو أسبوع
فقط، فيقول " القمص تادرس يعقوب": "كانت المسافة
تحتاج إلى حوالي أسبوع، لكن الله سمح لإيليا أن يقضي أربعين يومًا
وأربعين ليلة، كما جال الشعب قديمًا أربعين سنة مع
موسى النبي
في البرية"(2).
ويقول "
الأرشيدياكون نجيب جرجس":
"تقدر المسافة
من بئر سبع إلى حوريب نحو 180 ميلًا، وكان إيليا قد قطع منها نحو
عشرين ميلًا (مسيرة يوم) (ع 4) فكان عليه أن يقطع 160 ميلًا
إلى حوريب أي مسيرة سبعة أيام ونصف للشخص الذي يسير سبع ساعات
متوالية في اليوم الواحد. والأربعون يومًا المذكورة هنا:
(أ) إما أن يكون إيليا قد سارها بالفعل من المكان الذي ظهر فيه
الملاك له في البرية إلى حوريب، وكان يقطع في اليوم نحو أربعة
أميال بالنسبة لإعيائه وعدم التزامه بوقت معين لرحلته، وكان
يستريح باقي اليوم تحت شجرة تصادفه أو خيمة صغيرة كان يحملها مثلما
يعمل كل المسافرين في الصحراء.
(ب) وإما أن يكون قد مضى منها عدة أيام في البرية، وسار إلى حوريب
خلال الأيام الباقية، وربما كان سيره في أيام متتالية أو كان يسير
أيامًا ويستريح أيامًا، حتى كان وصوله إلى حوريب بعد أربعين يومًا
من أكله من الطعام الذي دعاه إليه ملاك الرب"(3).
3- كان ينبغي على ليوتاكسل أن يتساءل كيف أمضى
بنو إسرائيل كل هذه
السنين في الرحيل من أرض مصر إلى
أرض كنعان، ويقرأ ويدرس، وكان
لا بُد أنه سيعرف الإجابة بجهد ليس بكبير، وهو أن الرب أتاههم في
البرية، ولكن لأن نواياه غير حسنة، فقد افترض أن
بني
إسرائيل
أمضوا 38 عامًا في الرحيل المتواصل حتى وصلوا إلى
أرض كنعان!!
وصارت المعضلة أمامه أن إيليا قطع هذه المسافة في أربعين يومًا،
أي في وقت يساوي 1/40 (2,5 %) من الوقت الذي أمضاه
موسى
وشعبه،
ثم أخذ يتساءل عن نوعية الرغيف الذي أشبع إيليا أربعين يومًا، ولم
يربط بين انقطاع إيليا عن الطعام وصوم
موسى، مع أنه منذ برهة كان
يقارن بينهما في المسافة التي قطعاها من مصر إلى
أرض كنعان أو
العكس.
_____
(1)
التوراة كتاب
مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 421.
(2)
تفسير سفر ملوك
الأول ص 423.
(3)
تفسير الكتاب
المقدَّس - تفسير سفر ملوك الأول ص 225.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1304.html
تقصير الرابط:
tak.la/3bqc322