يقول "الخوري بولس الفغالي" عن داود: "ما فعله من أجل مفيبوشث من تكريم إذ جعله يأكل على مائدته (2صم 9: 11) سيستميل إليه مُحازبي شاول، يعتبر الكاتب أن ما فعله داود هنا، وما سيفعله من أجل شمعي بن جيرا (2صم 16: 5 - 12، 19: 16 - 23) وهو دليل على حلمه وكرم نفسه، ولكننا نعرف أنه عمل سياسي وحيلة مؤقتة (1 مل 2: 36 - 46)"(1).
ج: 1- لا أحد يستطيع أن ينكر مدى تسامح داود مع شاول، إذ تهيأت الفرصة لداود مرتين لقتل شاول ولم يفعل. أما علاقة داود مع يوناثان فكانت مثال الصداقة المخلصة الأمينة، وهل ينسى داود اللقاء الأول مع يوناثان بعد قتل جليات و" أن نفس يوناثان تعلقت بنفس داود وأحبه يوناثان كنفسه... وقطع يوناثان وداود عهدًا لأنه أحبه كنفسه. وخلع يوناثان الجبَّة التي عليه وأعطاها لداود مع ثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته" (1صم 17: 1 - 4).. وكيف تدخل يوناثان عدة مرات لينقذ حياة داود، حتى عرَّض حياته للقتل؟!
2- داود رجل الإيمان الذي أمضى السنين الطويلة مطاردًا من شاول، لم يسعى لكرسي الملك، بل كان لديه الإيمان الكامل بأن الله سيدبر له هذا الأمر، وهذا ما عبَّر عنه داود عندما منع أبيشاي من قتل داود: "حي هو الربُّ أن الربَّ سوف يضربه أو يأتي يومه فيموت أو ينزل إلى الحرب ويهلك. حاشا لي من قِبل الرب أن أمدَّ يدي إلى مسيح الرب" (1صم 26: 10، 11).
3- لو كان داود يخشى من ظهور أحد من نسل شاول يغتصب منه المُلك، لفرح عندما قتل ركاب وبعنة منافسه مفيبوشث بن شاول، وحكم عليهما بالإعدام، فأنه لو كان هدف داود التخلص من نسل شاول لفرح بعمل ركاب وبعنة وكافأهما، أو على الأقل يطلقهما أحرارًا... أما أن يحكم عليهما بالموت فهذا دليل على أن نوايا داود تجاه نسل شاول كانت نوايا حسنة.
4- لو كان قصد داود أن يكسب رضى المتحزّبين لشاول، فكان من المفروض أن يتخذه هذه الخطوة قبل أن يملك على إسرائيل (2صم 5: 1-5) حتى يستطيع أن يصل إلى سدة الحكم. أما كون داود يتخذ هذه الخطوة بعد أن أستتب الأمر، ونال رضى كل أسباط الشمال الذين سعوا لتنصيبه ملكًا على كل إسرائيل، ولم تكن هناك أية قلاقل ضد داود... أليس هذا دليل قوي على صدق نوايا داود، فهو فعلًا يريد أن يحسن إلى نسل شاول من أجل محبته ليوناثان، وليس لأجل أي هدف سياسي؟!
5- يقول الكتاب " وقال داود هل يُوجد بعد أحد قد بقى من بيت شاول فأصنع معه معروفًا من أجل يوناثان" (2صم 9: 1) ولم يشكك الكتاب المقدَّس على الإطلاق في نوايا داود، ولو كانت نوايا داود لأشار الكتاب إلى هذا، فهذا الأمر ليس شيئًا بجوار ما ذكره الكتاب عن خطيتي الزنا والقتل اللتان أرتكبهما داود. ثم أن مفيبوشث كان رجل أعرج: "فقال صيبا للملك بعد أين ليوناثان أعرج الرجلين" (2صم 9: 3) فهل داود الشجاع الذي قتل أسد ودب وواجه جليات الجبار في شبابه المبكر يخشى من رجل أعرج ..؟! وهل يصلح رجل أعرج أن يكون ملكًا لإسرائيل؟!
6- أنظر إلى قول داود لصبيا: "ألا يوجد بعد أحد لبيت شاول فأصنع معه إحسان الله" (2صم 9: 3) فلم يقل إحسانًا إنما قال " إحسان الله"، فهل الله عندما يُحسن للإنسان يكون بهدف نفعي..؟! قطعًا لا، وهوذا داود يتشبه بخالقه في عمل الإحسان لنسل مَنْ كان يطلب نفسه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أما النُقَّاد فيرون في هذا عمل سياسي بهدف إرضاء أسباط الشمال، ولو كان هدف داود سياسي بأن يأمن شر مفيبوشث أو وضعه تحت المراقبة أما كان يكتفي بأن يعوله على مائدته؟! وما الداعي لأن يدفع إليه كل ممتلكات شاول " وأرد لك كل حقوق شاول أبيك" (2صم 9: 7)؟!
7- يقول " القمص تادرس يعقوب": "من العادات القديمة أن يقتل الملك الجديد كل نسل الملك السابق لئلا يقاوموه ويطلبوا المُلك لأنفسهم (2مل 11: 1) أما داود النبي فأدرك أنه لم يستلم المُلك من يد إنسان بل من الله، ولأنه لم يضع قلبه على المجد الزمني بل على مجد الله لذا لم يخف على كرسيه ولا طلب قتل نسل شاول، إنما على العكس إذ أستقر بدأ يبحث عمن بقى من نسل شاول ليصنع معه معروفًا (2صم 9: 1)"(2).
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "هذا الإصحاح يرسم صورة من أنبل الصور في حياة داود، لأنه بعد أن استقرت أموره، وأستتب الأمن في أرضه، وأراحه الرب من أعدائه، وأصبح تابوت عهد الرب في عاصمته، مما يزيد اطمئنانه وفرحه بالرب وشرفه، لم ينسَ أن يفتقد البقية الباقية من نسل شاول لكي يصنع معه معروفًا، رغم أن شاول كان الرجل الذي طارده وطلب قتله وجعله يعيش في رعب وفي اضطراب وفي عدم استقرار... لقد أوفى داود بوعده مع بيت يوناثان ولو كان يوناثان حيًّا لتضاعف سرور داود ولجعله ثاني مملكته ولأنزله في قلبه أسمى مكانة {لأنه أحبه محبة نفسه} (1صم 20: 17). هذه هي القلوب النقية التي تذكر المحبة والصداقة وتنسى الإساءات، بل تكافئ المسيء بالإحسان وتقابل الشر بالخير، مثلما قال المخلص {أحسنوا إلى مبغضيكم} (مت 5: 44)"(3).
_____
(1) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 336.
(2) تفسير صموئيل الثاني ص 62.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الثاني ص 91.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1189.html
تقصير الرابط:
tak.la/taj2qvj