يقول " ليوتاكسل": "ولكن السؤال الذي يلح علينا هو، لماذا حظى شاول بلعنة التوراة..؟ إننا إذا حاكمنا الأمر محاكمة عقلية بشرية، فإن شاول لا يترك انطباعًا سيئًا: ثورات جنونه ضد داود كانت نتيجة لعمل " الروح الرديء".. فشاول لم يكن إنسانًا شريرًا بطبعه، وهو عدو لدود للعنف عندما يكون متحررًا من تأثير " الروح الرديء " أضف إلى هذا أنه لم يخن أبناء جلدته كما فعل داود عندما وضع نفسه ومرتزقته في خدمة الفلسطينيين أعداء إسرائيل التاريخيين، بيد أن الكنسيّين يقولون لنا: أنه لا عمل للعقل البشري هنا، فليكن الأمر هكذا إذًا!!"(1).
ويقول " الخوري بولس الفغالي": "ونعيش مأساة شاول... بطلًا يجابه المخاطر فلا يهابها، وحاكمًا لا يهتم لمظاهر الأبهة والغنى. هيأ الطريق لداود، صغَّره المؤلف ليُكبّر شخصية داود"(2).
ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "أن علاقة الكهنة بالملكية، ونظراتهم إليها، تظهران بشكل واضح في النص التوراتي، فشاول عدو الكهنة يُصوَّر على أنه شخصية سوداء، بالرغم من أن نمط حياته قد لا يستحق الاستنكار، أما داود حبيب الكهنة، فيُرفَع إلى السماء، ويُنظر إلى جرائمه وأفعاله الشنيعة بعطف وتفهم. ولا يمكن أن ننكر أن داود رغم كونه طاغية وصل إلى العرش على جثث الآخرين يُعد واحدًا من أعظم وأهم من وصل إلى سدة الحكم في إسرائيل"(3).
ج: 1- يحاول " ليوتاكسل " أن يبرّر شاول، إذ يُرجِع تصرفاته إلى الروح الرديء الذي بغته بسماح من الرب، متغافلًا تمامًا تصرفات شاول الخاطئة وعناده وتصلفه التي دعت روح الله ليفارقه وينصرف عنه، وبالتالي وجد الروح الرديء القصر مهيئًا ومزيّنًا ليسكن فيه ويرتع، وتغافل ليوتاكسل غيرة شاول من داود وحسده له بعد أن غنين النسوة لهما، كما تغافل ليوتاكسل محاولات شاول العديدة لتحدي المشيئة الإلهيَّة، فبعد أن علم أن الله ائتمن داود على المُلك سعى من كل قلبه لقتل داود مصطحبًا معه آلاف الجنود، وتغافل ليوتاكسل أن داود الذي عفا مرتين عن شاول فلم يقتله، أما شاول فلم يكف عن محاولات قتله.
2- لم يخن داود شعبه قط، وإن كان أخيش قد ظنَّ أن داود سيغزوا معه بني إسرائيل، أما داود فهو الرجل الأمين لإلهه وشعبه، ولذلك من المستبعد جدًا أن يحارب بني جلدته، ولم يستكمل داود الطريق إلى ساحة الحرب مع إسرائيل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا أحد يدري كيف كان سيتصرف داود لو أستكمل طريقه للحرب، هل كان سيتظاهر بمقاتلة بني إسرائيل ولا يقتلهم..؟ هل كان سينسحب من الميدان متعللًا بأي سبب كان..؟ هل سينقلب على الفلسطينيين..؟ لا أحد يعرف، ومن يستطيع أن يحكم على تصرف لم يتم بعد، وهل تحكم على إنسان بالإعدام لأنه ذهب لقتل غريمه، مع أنه عاد من الطريق والجريمة لم تتم..؟!! لقد كانت إجابة داود على أخيش إجابة هلامية غير محددة المعالم، وكل إنسان يفهمها بحسب فكره الخاص، فقال لأخيش: "أنت ستعلم ما يفعل غيرك" (1صم 28: 2) فهي إجابة مبهمة، فهمها أخيش على أن داود سيستبسل في قتاله لأعداء الملك، بينما كان في فكر داود وقلبه رأي آخر.
3- يتهم "كوسيدوفسكي" أن الذين كتبوا سفر صموئيل قد أحطوا من شخصية شاول معتبرين إياه شخصية سوداء، بينما رفعوا من شخصية داود إلى السماء، والحقيقة أن كتَّاب الأسفار المقدَّسة لم يفعلوا ذلك على الإطلاق، لأنهم كانوا منزهين عن الهوى، والدليل على ذلك أن الكتاب لم يغفل الأعمال الحسنة التي قام بها شاول، فذكر اتضاعه في البداية، وإخلاصه وشجاعته، وأيضًا لم يتغافل الكتاب سقطة داود مع بثشبع وقتل زوجها البطل الشجاع أوريا الحثي، وكبرياء داود وإحصاءه للشعب وما ترتب على ذلك... إلخ. ولكن الله صفح عن خطايا داود لأنه عرف كيف يتوب توبة قوية مقبولة وكيف اتضع أمام الرب، أما شاول فلم يفلح في الحصول على المغفرة الإلهيَّة بسبب عناده وكبرياءه.
4- يمكننا تقيّيم أعمال شاول الملك وتصرفاته بقصد الفائدة الروحية، وذلك من خلال عرض النواحي الإيجابية والسلبية:
أولًا: النواحي الإيجابية في حياة شاول:
أ - كان شاول رجل معطاء، حتى أنه لم يشأ أن يذهب إلى صموئيل النبي وهو لا يملك شيئًا يعطيه إياه: "فقال شاول للغلام هوذا نذهب فماذا نقدم للرجل لأن الخبز قد نفذ من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله" (1صم 9: 7).
ب - بدأ شاول طريق اختياره بالاتضاع: "فأجاب شاول وقال أما أنا بنياميني من أصغر أسباط إسرائيل وعشيرتي أصغر كل عشائر أسباط بنيامين" (1صم 9: 21).
جـ- عندما اختاره الله وفرح الشعب به " أما بنو بليعال فقالوا كيف يخلصنا هذا فاحتقروه ولم يقدموا له هدية. فكان كأصمّ" (1صم 10: 27) فلم يقابل الاحتقار باحتقار.
د - بعد اختيار شاول ملكًا عاش كفلاح بسيط حياة عادية، فكان أشبه بأحد القضاة الذين سبقوه، وعندما رأى الخطر يُهدّد بني جنسه أظهر شجاعة فائقة، فحل عليه روح الرب وحمى غضبه جدًا واستنهض الهمم، وخلص أهل يابيش جلعاد من ناحاش العموني.
هـ- عقب لحظات الانتصار على العمونيين أشاد الشعب بشاول، وأرادوا أن يقتلوا الذين اعترضوا على تمليكه من قبل، أما هو فرفض قائلًا: "لا يُقتل أحد في هذا اليوم لأنه في هذا اليوم صنع الرب خلاصًا في إسرائيل" (1صم 11: 13).
و - شاول هو أول من أنشأ جيشًا نظاميًا قويًا، وجعل أبنير بن نير رئيسًا عليه، ولم يلزم أحدًا بالتجنيد الإجباري.
ز - عندما وجد الشعب يأكل لحمًا مع الدم عقب النصرة على الفلسطينيين طلب منهم أن يذبحوا ذبائحهم على حجر، وبنى مذبحًا ليشكر الرب (1صم 14: 32 - 35).
ح - حارب شاول حروب الرب بشجاعة: "وأخذ شاول المُلك على إسرائيل وحارب جميع أعدائه حواليه موآب وبني عمون وأدوم وملوك صوبة والفلسطينيين وحيثما توجه غلب. وفعل ببأس وضرب عماليق وأنقذ إسرائيل من يد ناهبيه" (1صم 14: 47، 48).
ط - منع السحرة والعرافة ونفي أصحاب الجان والتوابع من أرض إسرائيل (1صم 28: 3).
ى - بالرغم من أن شاول عرف أن الرب رفضه من المُلك إلاَّ أنه لم يتخلى عن شعبه بل ظل يحارب بشجاعة حتى سقط في أرض المعركة هو وأولاده وهو يدافع عن شعبه ضد الفلسطينيين (1صم 31: 1 - 3).
ثانيًا: النواحي السلبية في حياة شاول:
أ - نزع شاول لعبادة البعل، فبعد أن دعى اسم ابنه الأول "يوناثان" أي "الرب أعطى" دعى اسم ابنه الثاني "يشبعل" أي "رجل بعل".
ب - عندما غنَّت النسوة لداود وله وقلن " ضرب شاول ألوفه وضرب داود ربواته" ثارت في قلبه نيران الغيرة والحسد والحقد (1صم 18: 7، 8) وحاول مرارًا وتكرارًا قتل داود والقضاء عليه.
جـ- كان متذبذبًا، فتارة يدخل وسط بني الأنبياء فيسلك سلوكهم ويشاركهم الصلوات والتسبيح ويتنبأ (1صم 10: 10، 11) وتارة يسلك عكس هذا. تارة يستمع لنصائح يوناثان الذي يُذكّره بتضحيات داود فيتراجع عن قتله ويحلف بهذا (1صم 19: 4 - 6) ثم يعود محاولًا طعنه بالرمح (1صم 19: 10) وعندما يهرب داود يجد في البحث عنه لكيما يقتله (1صم 19: 11، 20: 30، 31).
د - بالرغم من أن داود عفا عنه مرتين ولم يقتله، وكان شاول يظهر ندمًا وقتيًا (1صم 24: 16 - 19، 26: 21) لكن سرعان ما يرجع عن رأيه ويطلب نفس داود.
هـ- وعد شاول داود بأن يزوجه ابنته "ميرب" ثم زوجها لعدرئيل المحولي (1صم 18: 19) كيدًا في داود وحطًا من قدره، وحنث في وعده. ثم طلب من داود مهرًا لأبنته "ميكال" مائة غلفة فلسطيني، وكان يقصد قتله بواسطة الفلسطينيين، وحتى بعد أن زوجها إياه، ثم هرب داود من أمام وجهه وتزوج بأبيجايل وأخينوعم أخذ شاول " ميكال " زوجة داود وزوَّجها لفلطي بن لايش (1صم 25: 44).
و - إذ فقد شاول صبره في انتظار صموئيل ليصعد الذبيحة قبل اشتعال نيران الحرب، تعدى شاول على الكهنوت وأصعد الذبيحة بنفسه، وهو ليس بكاهن، ولم يصغِ لوصية صموئيل بأن ينتظره حتى يجئ (1صم 13: 8 - 14).
ز - في حرب شاول مع الفلسطينيين كدر الشعب إذ لعن كل من يأكل حتى المساء (1صم 14: 24).
ح - حاول قتل ابنه يوناثان مرتين، مرة عندما ذاق من العسل وهو لا يعلم اللعن الذي أوقعه أبوه على الشعب (1صم 14: 45) ومرة أخرى عندما دافع عن داود (1صم 20: 33).
ط - لم يطع شاول أمر الرب في تحريم عماليق، فأحيا ملكهم "أجاج" وأبقى خيار الغنم والبقر (1صم 15: 22، 23).
ى - ارتكب شاول مذبحة الكهنة الرهيبة فذبح الخمسة والثمانين كاهنًا مع أخيمالك رئيس الكهنة وضرب مدينتهم بحد السيف فلم يترك من ذويهم أحدًا حتى الأطفال والرضعان، وحتى الثيران والحمير والغنم (1صم 22: 16 - 19).
ك - قتل شاول الجبعونيين الذين حلف لهم يشوع بدون مبرر وبدون ذنب ارتكبوه مما تسبب في غضب السماء ومنع المطر وتفشي المجاعة (2صم 21: 1).
ل - بعد أن منع شاول السحر والعرافة ونفى أصحاب الجان والتوابع لجأ بنفسه إلى امرأة عرَّافة لتستدعي له روح صموئيل النبي بعد موته (1صم 28: 7 - 9) وهذا نهى الله عنه تمامًا.
م - عندما أُصيب شاول في الحرب ورأى الهزيمة تحل بجيشه سقط على سيفه وانتحر ومات (1صم 31: 3، 4).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 322.
(2) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 232.
(3) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 286، 287.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1158.html
تقصير الرابط:
tak.la/6vjmt3n