يقول " محمد قاسم محمد": "سبق ذكْر أن داود قد ذهب إلى أخيش ولما تعرَّف عليه رجاله خاف وادعى الجنون، ولم يذكر هنا ما الذي تغيَّر حتى يقبله أخيش للإقامة معه، إلاَّ أن سياق الحديث التالي يبدو منه أن داود قد أقنع أخيش بأنه سيحارب بني إسرائيل، وهذا ليس بمستغرب فقد ورد في (1 صم 14: 21) أن هناك عبرانيين قد انضموا للفلسطينيين لمحاربة إسرائيل"(1).
ج: 1- هناك فرق شاسع بين ظروف داود في الالتجاء الأول إلى جت وبين الالتجاء الثاني، فعندما ذهب للمرة الأولى (1صم 21: 10 - 15) كان وحيدًا منفردًا، فقال في نفسه أنه خير مكان يختبئ فيه عن أعين شاول أن يذهب إلى جت أرض الفلسطينيين التي لا يجرؤ شاول على الاقتراب منها، ويذوب في المجتمع الفلسطيني، ولكن أُكتشف أمره لأن ذكريات قتله لجليات كانت مازالت تلوح في الأفق، وحدث ما حدث، ونجا بصعوبة بالغة. أما في المرة الثانية فقد تأكد داود أن أخيش يعرف أن شاول يطارده ويطلب نفسه. كما كان تحت إمرة داود ستمائة رجل من المحاربين الأشداء ذوي البأس، مما دعى " أخيش " يفكر بطريقة مختلفة، وهي أن يستغلهم كقوة ضاربة لإسرائيل، فهم أُناس منقلبون على نظام حكم شاول فليستغلهم كشوكة في جنب شاول، وهذا لم يكن أمرًا غريبًا على أخيش لأن بعض العبرانيين عاشوا في كنف الفلسطينيين ليأمَنوا شرهم وينجو بحياتهم.
2- الذي ألجأ داود إلى " أخيش " ملك جت أنه كان له زوجتان هي أخينوعم وأبيجايل، وأن الموت يحاصره، وهو يشعر أنه مسئول عن ستمائة رجل بعضهم متزوج ومعه أولاد وأطفال، وإذا ضعف إيمان داود " وقال داود في قلبه إني سأهلك يومًا بيد شاول فلا شيء خير لي من أن أفلت إلى أرض الفلسطينيين فييأس شاول مني فلا يفتش عليَّ بعد في جميع تخوم إسرائيل فأنجو من يده" (1صم 27: 1) وفعلًا " أُخبر شاول أن داود قد هرب إلى جت فلم يعد أيضًا يفتش عليه" (1صم 27: 4) ولكن هذا لا يخفي ضعف إيمان داود، وحتى أنه شك أو على أحسن الاحتمال نسى الوعد الإلهي بأنه سيملك على إسرائيل، وربما أصغى داود إلى مشورة بعض رجاله، ولم يستدعي الكاهن بالأفود ليسأل الرب، فذهب إلى جت بمشورته الخاصة، وقام داود بغزواته وخدع أخيش الذي كان يظن أنه يحارب أسباط إسرائيل، وأمضى هناك سنة وأربعة أشهر، كانت فترة مظلمة في حياة داود.
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "إن كان داود يحسب أحد أبطال الإيمان العظماء لكنه في هذا الإصحاح يظهر في لحظات ضعف إيمان جلبت عليه متاعب كثيرة. كثيرًا ما يقدم لنا الكتاب المقدَّس داود لنقتدي به في عظم إيمانه، أما هنا فيعلمنا أن لكل إنسان لحظات ضعف فيها يسقط لا ليستسلم في يأس وإنما ليقوم بالرغم مما ترتب على سقوطه من متاعب داخلية وخارجية... في المرة السابقة شك الملك في أمره لأنه جاء بمفرده فظنه جاء يتجسَّس ويخطط ضده، أما في هذه المرة فجاء مع أسرته وستمائة جندي محارب بأسرهم، لن يكون داود سيئ النية إذ تصعب عليه الحركة مع الأسرة، لذا حسبه قوة ينتفع بها كحِلف له، خاصة أن مطاردة شاول لداود صارت علانية ومتكررة عرفتها الأمم المحيطة، مما طمأن قلب أخيش من جهة داود ورجاله... لم يكن من اللائق أن يخاف ويهرب في ضعف إيمان وقد عاين بنفسه واختبر معاملات الله له، هذا الذي وعده بالمُلك"(2).
_____
(1) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 376.
(2) تفسير سفر صموئيل الأول ص 187، 188.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1155.html
تقصير الرابط:
tak.la/k6by3qj