ويقول " ليوتاكسل": "فقد كان منذور يهوه هو ضيفًا دائمًا في بيوت الدعارة، وهو لم يتبع ذلك السلوك سرًا، بل على مرأى من جميعهم. وفي أحد الأيام وقع له أمر كاد ينتهي بمأساة لولا أن يهوه كان دائمًا إلى جانبه لا يفارقه، حتى وهو في بيوت الدعارة والفسق، فقد استمر شمشون مُغرمًا بالفلسطينيات"(1).
ج: 1- اختار الله شمشون وهو يعلم كل العلم أنه كان يمكن لشمشون أن يعيش حياة مقدَّسة طاهرة ترضي الرب، ولكن شمشون استسلم لشهواته فسقط ثلاث مرات:
أ - عندما تزوج بإحدى البنات الفلسطينيات محطمًا الوصية بالنهي عن مصاهرة الغرباء، ورغم محاولة والديه إثناءه عن هذا " أليس في بنات أخوتك وفي كل شعبك امرأة حتى أنك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف" (قض 14: 3) ولكنه أصرَّ قائلًا " إياها خذ لي لأنها حسنت في عينيَّ" (قض 14: 3) ولم يبحث عن فتاة تحسن في عيني الله، وهذه الزوجة أفشت سر الأحجية لبني جلدتها وقادته هذه السقطة إلى قتل ثلاثين رجلًا، ثم أحرق الفلسطينيون زوجته وذويها.
ب- عندما دخل إلى امرأة زانية في غزة وهي بلد فلسطينية مستعرضًا قوته، ونصبوا له كمينًا ليقتلوه ولكنه انصرف في منتصف الليل.
جـ- عندما تزوج بدليلة وهنا كانت نهايته المأسوية.
ودفع شمشون ثمن انحرافاته غاليًا، فهو الجبار الذي فتك بالأسد بدون سلاح، وقتل ألف رجل بلحي حمار، خرَّ عند ركبتي دليلة، وُكبّل بالقيود، وفُقأت عيناه، وصار كثور في طاحونة، يعاني من سخرية واستهزاء وازدراء وإذلال الفلسطينيين، ويقول " القمص مكسيموس وصفي": "إذا عدنا إلى حياة شمشون نرى أن روح الله كان يحاول إنقاذه المرة تلو المرة من إنذارات متكررة، ففي المرة الأولى حيت مال قلبه إلى امرأة تمنه أنقذه روح الرب، فقام وقتل ثلاثين من أعدائه، ولم ينتبه شمشون بل جرفه تيار الشهوات ودخل بيت الزانية في غزة، وفي هذه المرة أيضًا نخسه روح الرب في نصف الليل ليستيقظ، وأفلت من كمين موت مُحقق. ولكن شمشون لم ينتبه أيضًا وسقط مرة أخرى حين أحب دليلة التي كانت سببًا في مذلته، فقيدت يديه بالقيود وقُلعت عيناه وصار موضع سخرية لأعدائه يدير طاحونة السجن"(2).
2- جاء في كتاب "غوامض العهد القديم": "لو تتبعنا ما كتبه الوحي عن تاريخ شمشون لا نجد أثرًا لاستحسان الله لأعماله... ومما يجب الالتفات إليه أن الرضا الإلهي على إنسان لا يستلزم استحسان كل عمل من أعماله أو الموافقة على جميع حوادث حياته. وهذه حقيقة نجدها واضحة في كل الأجيال، فإذا أنت استقصيت حياة كثيرين من النوابغ الذين اشتهروا بتفوقهم وخصتهم العناية بالمواهب السامية... تجدهم مع شهرتهم هذه قد رافقتهم نقائص وعيوب مشهورة"(3).. فمن من الأنبياء لم يخطئ..؟! ما أجمل القول بأن الله في اليوم الأخير سيحاسبنا ليس عن سقطاتنا وخطايانا، بل عن عدم توبتنا عن هذه الخطايا، وقد نجح شمشون تمامًا في تقديم توبة قوية في نهاية حياته، وقبل الله تضرعاته ومنحه قوة هدم بها المعبد، وهكذا سليمان بعد أن سقط في عبادة الأوثان بإغراء زوجاته القريبات تاب وقُبلت توبته، وجاء ذكره في العهد الجديد.
3- لا يمكن أن نُحمّل الله مسئولية انحرافات شمشون الذي كانت لديه الشريعة الإلهيَّة ليحيا حياة مقدَّسة، ولا يختلط بالأمم الغريبة، ولكن شمشون ضرب بالوصية عرض الحائط. ولو قلنا أن الله من المفروض أن لا يخلق ولا يختار إلاَّ الإنسان الذي سيعيش حياة مقدَّسة ولا يخطئ قط، فإن الله لن يخلق ولن يختار أحدًا قط، ولكن الله يختار الإنسان، والإنسان بسلوكه يُثبِت إذا كان جديرًا بهذا الاختيار من عدمه، وروح الله لا يكف عن دفع الإنسان لحياة القداسة والتوبة، ونشكر الله على نعمته التي ظلت تلاحق شمشون حتى اقتنصته في ضعفه، وحملته إلى طريق التوبة والخلاص.
4- في زمن شمشون كان شعب بني إسرائيل قد انحدر خلقيًّا إلى درجة كبيرة، وشمشون لم يكن أسوأ ما فيهم، وإن كانت له ضعفاته الجنسية، إلاَّ أنه تميز بالشجاعة والإقدام ومواجهة الأعداء مهما كانت أعدادهم ضخمة وهو بمفرده، واثقًا في إلهه الذي سيمنحه النصرة، وكان ينسب النصرة لله وليس لشخصه " إنك قد جعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم" (قض 15: 18).
5- لم يحابي الله شمشون ولم يغض النظر عن خطاياه، بل ترك شمشون يجني ثمار أفعاله، ولولا توبة شمشون الصادقة وندمه لهلك، ولكنه تاب والتمس من إلهه القوة لكيما ينتقم من الفلسطينيين مضحيًا بنفسه، وقد استجاب الرب له.
ويقول " قداسة البابا شنودة الثالث": "لاشك أن شمشون نال الخلاص، وقبل الرب توبته... والدليل على ذلك أن الرب سمع له في آخر حياته، وصنع به انتصارًا عظيمًا لم يصنعه به طوال حياته (قض 16: 30) ولكن الدليل الأكبر على خلاص شمشون أن القديس بولس الرسول وضعه في قائمة رجال الإيمان، مع داود وصموئيل والأنبياء (عب 11: 32)"(4).
ويصف " القمص مكسيموس وصفي " توبة شمشون قائلًا "إنه أغضب الله كثيرًا ولكن محبة الله كانت دائمًا تحيط به، وبين جدران المعبد، ووسط ظلمة شديدة كانت تحيط به وهو أعمى لا يرى ما حوله، انفتحت عينا قلبه ليرى إلهه القوي، وإن كان شمشون أهانه بين الوثنيين لكنه كان يعلم أنه إله مُحب متسامح... أنه يتقدم في إيمان وثقة أن الله سوف يراه في توبته وسوف يستجيب له. فرفع قلبه تائبًا... وما أكثرها حلاوة تلك الصلاة القوية التي ارتفعت من نفس مرة وقلب مملوء بالإيمان في لحظاته الأخيرة: "يا سيدي الرب اذكرني" (قض 16: 28).. لقد أمسكت يد الله بيدي شمشون وهو مستند على عمودي المعبد، فسقط معبد داجون وقتل آلاف الفلسطينيين"(5).
6- قد يكون شمشون حقق الهدف من اختياره جزئيًا، فقد كان بطلًا منفردًا، ولم يعتمد على جيش، ودافع عن شعبه بقوته الخارقة ضد الفلسطينيين الذين طالما أذلوا شعب الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد أوقف زحفهم نحو بني إسرائيل، وانتقم منهم في حياته وفي مماته، وكان هذا مقدمة للنصرة النهائية على الفلسطينيين بيد صموئيل النبي " فذُلَّ الفلسطينيون ولم يعودوا بعد للدخول في تخم إسرائيل وكانت يد الرب على الفلسطينيين كل أيام صموئيل" (1 صم 7: 13) ويقول "القمص مكسيموس وصفي": "وإن لم تتحطم قوة الفلسطينيين نهائيًا لكن انتصارات شمشون ألهبت قلوب الإسرائيليين بالحماس ومهدت الطريق لأعمال صموئيل وداود والآتين بعده"(6). أما لو تحفظ شمشون لرسالته وسلوكه، فبلا شك أنه كان سيؤدي هذه الرسالة بصورة أكمل، ويمجد إلهه بصورة أفضل، ويصنع نهاية سعيدة مجيدة لحياته، ولم يمُت تحت الأنقاض.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 238.
(2) دراسة في سفر القضاة ص 117.
(3) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهدين القديم والجديد جـ 1 ص 107، 108.
(4) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص 34.
(5) دراسة في سفر القضاة ص 118.
(6) دراسة في سفر القضاة ص 118، 119.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1024.html
تقصير الرابط:
tak.la/cm78jth