ولماذا لم يُعاقب الله جدعون الذي ضلل بني إسرائيل، ولم ينتقم منه؟!(2)
وكيف يذكر العهد الجديد " جدعون " على أنه من أبطال الإيمان (عب 11: 32)؟
ويقول " محمد قاسم": "رغم أن جدعون لبسه روح الرب - كما تدَّعي التوراة - إلاَّ أنه تسبب في عبادة إسرائيل لغير الله... ذُكر في الفقرة السابقة (قض 8: 27) أنهم زنوا وراء الأفود الذي صنعه جدعون أثناء حياته"(3).
ج: 1- نحن لا نعترف بعصمة إنسان مهما كان وضعه على وجه الأرض، فالإنسان مولود المرأة معرَّض للخطأ والسقوط في حياته، ونحن نعترف أن التوبة تمحو الذنوب تمامًا وكأنها لم تكن، وقد كان جدعون في الأصل رجلًا صالحًا، ولا ننسى أنه هدم مذبح البعل، وقطع السارية، وبنى مذبحًا للرب على رأس الحصن ليراه جميع الناس، وقدم ذبيحة مقبولة لله (قض 6: 25 - 27) ولا ننسى جوابه اللين مع سبط أفرايم ما جنب الأمة ويلات الحروب، وبثلثمائة رجل قهر جيش مديان، ولا ننسى أنه رفض أن يتسلط على شعب الله، بل قال بشجاعة " لا أتسلط أنا عليكم ولا يتسلط ابني عليكم. الرب يتسلط عليكم" (قض 8: 23) ولكن الفصل قبل الأخير من حياة جدعون يبدو أنه فصلًا مأسويًا، يتناقض مع حياة ذلك الرجل التي امتلأت بالأمجاد. أما الفصل الأخير في حياته فهو يحمل توبته الصادقة، وقد قبلت السماء هذه التوبة بدليل ورود اسمه ضمن أبطال الإيمان في الرسالة إلى العبرانيين " وماذا أقول لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون.." (عب 11: 32).
2- عندما صنع جدعون الأفود ظن بهذا أنه يجسم قوة الله، ويمجد اسمه، ولم ينتبه للعواقب الوخيمة التي ترتبت على عبادة هذا الأفود، فعندما طلب منه الشعب أن يتسلط عليهم هو وابنه وابن ابنه رفض مفضلًا بالحري أن يملك الله على الشعب، ولكنه سقط في اشتهاء الكهنوت، فطلب من الشعب مجرد الأقراط وبسط الرداء فألقوا عليها 1700 شاقل من الأقراط الذهبية أي نحو 27 كم " فصنع جدعون منها أفودًا " والأفود هو ثوب قصير يغطي الصدر وربما أطول قليلًا... " هو ثوب من الكتان كان يلبسه رئيس الكهنة أثناء الخدمة، وكان يُثبت على الجسم بواسطة شريطين على الكتفين من فوق وحزام من أسفل، وعلى كل شريط حجر جزع منقوش عليه أسماء الأسباط الإثنى عشر - وكان يتصل بالصدرة بواسطة سلاسل ذهبية"(4). وكان البعض يرتدون الأفود عند تأدية مهام مقدَّسة، فقال الكتاب " وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي متمنطق بأفود من كتان" (1 صم 2: 8) وعندما أصعد داود تابوت العهد " كان داود يرقص بكل قوته أمام الرب... وكان داود متمنطقًا بأفود من كتان" (2 صم 6: 14) ويبدو أن جدعون سبك الذهب كخيوط رفيعة، ونسج منها هذا الأفود، أو ربما صنع الأفود من الكتان وزينه بهذا الكم من الذهب، فكان آية في الروعة، وربما كان جدعون يرتديه وهو يجلس للقضاء بين الشعب " فصنع جدعون منها أفودًا وجعله في مدينته عفرة وزنى كل إسرائيل ورآه هناك فكان ذلك لجدعون وبيته فخًا" (قض 8: 27) والمقصود بزنى إسرائيل هنا الزنا الروحي، أن تقديم العبادة لهذا الأفود الرائع الجمال، وجاءت خطية جدعون هنا بدون قصد، بل هي من قبل السهو والضعف البشري، ولذلك دعاها الكتاب "فخًا" اصطاد به الشيطان جدعون دون أن يدري، بسبب اشتهاءه للكهنوت.
وجاء في " كتاب السنن القويم": "وجعله في مدينة عفرة... لعل غايته بذلك أن يسأل الرب بواسطته. والأفود الذي صنعه جدعون لم يكن الأفود البسيط الذي كان الكهنة يلبسونه (1 صم 2: 18) وتمنطق داود به (2 صم 6: 14) بل أفود مثل أفود رئيس الكهنة. وكانت غاية جدعون أن يجعل نفسه في مقام رئيس كهنة لإسرائيل، وذلك بناء على ظهور الرب له واختيار الرب له ليكون مخلصًا لإسرائيل من المديانيين. ولكن كان في ذلك خطأ لأن الرب لم يدعه ليكون كاهنًا، بل كان الكاهن المعين من الرب من نسل هارون، وكان مركز العبادة شيلو في سبط أفرايم، ونرى أن جدعون لم يسقط في التجربة الأولى أن يصير ملكًا، ولكنه سقط في الثانية أي طلب أن يكون رئيس كهنة"(5). ولولا توبته لهلك، ولكن جدعون ختم حياته بتوبة قوية صادقة، ولذلك قال الكتاب عنه " ومات جدعون بن يوآش بشيبة صالحة ودُفن في قبر بواش أبيه في عفرة أبيعزر" (قض 8: 32).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 376.
(2) البهريز جـ 3 س 504.
(3) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 312.
(4) لجنة التأليف بكنيسة الملاك ميخائيل بالظاهر - القضاة وراعوث ص 151.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1011.html
تقصير الرابط:
tak.la/99sspdx