ج: وُلِد "ماو" في 26 ديسمبر 1893م بقرية "شوشان" من إقليم "هونان" بالصين، من أب فلاح ميسور، وأم بوذية، ومنذ طفولته وهو يتميز بالعناد والتمرد والفوضوية، وظل هكذا طوال حياته، وكان "ماو" هو الابن الثالث الذي عاش بعد أن مات كل من شقيقاه عقب ولادتهما، وأُضيف إلى اسمه "تسي تونج" أي "الذي يتألق على الشروق"، فصار اسمه "ماوتسي تونج"، وعُرِف باسم "ماو"، وكانت أمه وديعة متسامحة، فأحبها كثيرًا وقال أنها لم ترفع صوتها في وجهه قط، وظل طوال حياته يتحدث عنها بحنان، وعاش طفولته يدرس، ويعمل قليلًا في الزراعة، وبسبب عناده طُرد ثلاث مرات من المدرسة، فكان والده يضربه، وفي إحدى المرات أنَّبه والده أمام ضيوفه، ويقول "ماو": "فوصفني بأنني كسول وبلا فائدة. فتعصبتُ كثيرًا ولعنته وتركتُ المنزل، فلعنني هو أيضًا وألحق بي، فوقفت على حافة جسر وهدَّدتُ بالقفز إذا أقترب أكثر، فتراجع. إن العجائز أمثاله لا يريدون أن يفقدوا أبناءهم، تلك نقطة ضعفهم، وقد استغللتها "وكان يكره والده، حتى أنه كان يقول للجلادين الذين يتولون تعذيب خصومه السياسيين" لقد كان أبي سيئًا، ولو كان حيًّا الآن لوجب قتله". وكان لدى "ماو" رغبة جامحة في القراءة، حتى أنه عندما حكم الصين كان نصف سريره المتسع يمتلئ دائمًا بالكتب، والنصف الآخر بالفتيات.
وكانت الصين خاضعة للدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا، وقد أغرقت بريطانيا الصين بالأفيون، مما نشب عنه حرب الأفيون، وبينما كان " ماو " في الثامنة عشر شبت الثورة ضد "تشينغ"، وبعد عدة شهور انتهت الملكية تمامًا، وأُعلنت "جمهورية الصين" التي عاشت في فوضى ولم تعرف الاستقرار حتى سنة 1949م عندما اعتلى " ماو " السلطة.
وكان "ماو" قد أراد أن يصبح أستاذًا فدخل جامعة بكين سنة 1919م، وهناك اعتنق الشيوعية ودرس الماركسية وأقتنع بها حتى صار ماركسيًا متعصبًا، وفي سنة 1921م أسَّس مع أحد عشر شخصًا آخرين الحزب الشيوعي في شنغهاي، وبينما أعتمد ماركس على العمال في دعوته، تغير فكر "ماو" سنة 1925م وصار يعتمد بالأكثر على الفلاحين، وطوَّر الشيوعية إلى مفهوم جديد نسبه لنفسه، فدُعي بـ"الماوية " وهي مزيج من شيوعية لينين وماركس، وسعى للتحالف مع الإتحاد السوفيتي، وأهتم بالفلاحين والتنمية الزراعية.
وفي سنة 1927م تعرض " ماو " مع الشيوعيين للاضطهاد من الجيوش القومية بقيادة " شيانج كاي " الذي كان يقتل الشيوعيين، فهرب " ماو " مع زملائه للجبال على حدود " هيزان " وشكَّلوا أول حكومة صينية سوفيتية ترتكز على الفلاحين، وفي سنة 1934م عندما هاجم القوميون " سوفت هيوان - كيا نجسي " أضطر مائة ألف رجل وامرأة وطفل للهرب إلى الحدود الغربية للبلاد، فقطعوا رحلة 6000 ميل في عام، وعبروا خلالها على 12 مقاطعة، 24 نهرًا، وسلاسل جبلية، وغابات كثيفة، وصحاري مهجورة، فمات معظمهم ولم ينجو منهم إلاَّ 20000 نفس.
وبعد اغتيال القادة الشيوعيين لم يبقَ إلاَّ " ماو " الذي وضع خطة بطيئة للسيطرة على الحكم، وأنتظر حتى سنة 1947م حيث بدأ بالتحرك لقلب نظام الحكم، وفي سنة 1949م أنتصرت القوات الشيوعية، وكانت البلاد قد أنهكتها الحروب ووصلت لحالة شديدة من الفقر والتخلف، وكان " ماو " في السادسة والخمسين من عمره، فتولى السلطة، وأحكم قبضته على الصين، وقتل عددًا كبيرًا من أعداء الثورة.
وحاول " ماو " أن يلحق بركب الحضارة، فاهتم بالتعليم والصحة والتصنيع، وحوَّل النظام الرأسمالي إلى نظام اشتراكي، واستخدم أجهزة الدعاية، فبعد أن كان الصينيون يقدّسون الآباء والأجداد منذ آلاف السنين، أخذوا يقدّسون الوطن، ووضع " ماو " مشروع " القفزة الكبرى " الذي يرتكز على الصناعات الصغيرة في الحقول والقرى، وأجبر ملايين العمال والفلاحيين على العمل في هذا المشروع بمعدل سريع، ولم يستطع الشعب أن يواكب هذا المشروع الذي تعرَّض للانهيار، واضطر " ماو " لشراء القمح من الدول الرأسمالية ليطعم شعبه، وعندما قرَّرت روسيا التعايش السلمي مع الولايات المتحدة هاجم " ماو " القادة الروس لأنهم لم يخلصوا لفكر لينين الماركسي الذي يدعو لتدمير الرأسمالية.
وفي سنة 1966م أشعل "ماو" ما أسماه بالثورة الثقافية بهدف سحق المعارضة، فتجمع في بكين أكثر من مليون شاب من أعضاء الحرس الأحمر تحت شعار "العصيان حق" وكانت أعمارهم تتراوح بين 15-19 سنة، وبتحريض من " ماو " أخذوا يفتشون لدى أي شخص مهما علت مرتبته عن أية أثار أو دلائل يُستشف منها ميوله للغرب، وضبط كل شخص يشتم منه أنه غير مخلص للثورة أو خائن لمنهجها، فتعرض الكثيرون لإهانات بالغة، وعدد كبير من الذين يشغلون مواقع قيادية عليا زُفوا في مواكب كبيرة، وعلى رأس كل منهم " طرطور " وعلى صدره لوحة كبيرة عُلقت بحبل يتدلى من رقبته ومكتوب عليها شعارات ثورية غاضبة، فتحوَّلت الأمور إلى فوضى، وعمت الفوضى البلاد بسبب الثورة الثقافية، التي سادت لمدة ثلاث سنوات، حتى صارت البلاد على حافة حرب أهلية، فتدخل " ماو " وأنهى هذه الثورة الفوضوية سنة 1969م، ويعتبر " ماو " أقوى رجل حكم مليار شخص لمدة 25 سنة في الصين حتى قيل عنه أنه الرجل الأقوى خلال تاريخ الصين، وكم قتل من أبناء شعبه!!
وكتب " ريتشار وورمبلاند " يقول "يرتعب العالم اليوم عما يجري في شوارع الصين. فعلى مرأى من جميع الناس ينفذ الحارس الأحمر عمله الإرهابي. والآن تصوَّر ماذا يحدث لبعض المؤمنين في سجون شيوعية بعيدًا عن أعين الناس. إن آخر الأخبار التي وردتنا من هناك هي أن أحد الكتاب الإنجيليين الصينيين المشهورين، مع بعض المؤمنين الآخرين والذين رفضوا نكران إيمانهم، قُطعت آذانهم، وألسنتهم وأرجلهم أيضًا... وفي الصين اليوم، هناك موجة جديدة من البربرية تفوق في وحشيتها عهد ستالين. فقد تلاشت الحياة الكنسية العلنية هناك تمامًا... وبين بليون شخص في بلدان محكومة بالشيوعية وبأعمال الإرهاب والخديعة، ينشأ الجيل الجديد بكراهية عظمى لكل ما هو غربي، خاصة الديانة المسيحية" (1).
أما عن زوجات " ماو " فقد تزوج لأول مرة وهو في الرابعة عشر من عمره بفتاة تكبره أربعة أعوام، ثم تزوج عدة مرات، فزوجته الثانية تعرضت للقتل على يد القوميون المتشددون، والثالثة أصيبت بجرح أثناء المسيرة الكبرى، والرابعة هي الممثلة " شيانج شينج " وقد أنجب منها خمسة أولاد وبنات، بالإضافة لعدد من الأولاد والبنات من الزوجات السابقات، وقُتل له ولد في حرب كوبا، وكان أحد أبناءه مُختل عقليًا، أما رد فعل " ماو " فانصب على الكتب، والنساء، فكان له سرير متسع جدًا يحمله أينما ذهب، حتى دعوه بالبساط السحري، ويزدحم على السرير الكتب، وأيضًا بعض الفتيات التي يصل عددهن إلى خمسة أو ست فتيات، وقد تواكبت الأمراض على " ماوسي تونج " من 1972م وحتى موته سنة 1976م.
_____
(1) العذاب الأحمر ص 84، 89
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/zedong.html
تقصير الرابط:
tak.la/b3aybtx