53- الفصل الرابع من الباب الثالث: سِرُّ المَيْرُون ورسول الحب في رسائل الكاثوليكون

يقول القديس يوحنا الحبيب رسول الحب في (1يوحنا2: 18-20، 26-27)

[10] «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا.

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ.

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ.

 وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.»

حديث القديس يوحنا الرسول هنا عن سِرِّ المَيْرُون، ويُطلِق عليه سِرَّ المَسْحة نِسبةً إلى طريقة ممارسته ليقول فيه:

«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ» (1يوحنا2: 20)

«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ» (1يوحنا2: 27) (أ) لَكُمْ مَسْحَةٌ: وتعني المَسح بالزيت المقدس، وفي العهد القديم كان يُمسَح بالزيت الكاهنُ والنبيُّ والملكُ؛ ولذلك يُدعَى مسيحَ الرب، ولذلك قال الله «لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي» (1أيام16: 22).

وعندما نعود إلى العهد القديم، لا نقصِد أن نُثْبِت سر المَيْرُون منه؛ لأننا هنا في هذا الكتاب نقتصر على إثباته من العهد الجديد، ولكننا نشرح مدلول الكلمة (مَسْحَة) فقط، وكيف أنها تَعْنِي المسح بالزيت المقدس. ففي سفر الخروج قال الرب لموسى النبي «وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ. مُرًّا قَاطِرًا... وَقِرْفَةً عَطِرَةً... وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ... وَسَلِيخَةً... وَمِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ... وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ... دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ. وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاِجْتِمَاعِ وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ. وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا وَالْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ. وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا. وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّسًا. وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي. وَتُكَلِّمُ بَنِي إسْرَائِيلَ قَائِلًا : يَكُونُ هَذَا لِي دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ فِي أَجْيَالِكُمْ... مُقَدَّسٌ هُوَ وَيَكُونُ مُقَدَّسًا عِنْدَكُمْ.» (خروج30: 22-32).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

St-Takla.org Image: Consecrating the Holy Chrism (Mairoun oil) at the time of Pope Cyril VI, 1967 (image 5) - (Seen in the photo too: Aghabios II, Bishop of Dairout, Senbo and Koskam, Assiout, Egypt). صورة في موقع الأنبا تكلا: عمل الميرون المقدس في عهد البابا كيرلس السادس، 1967 م. (صورة 5) - (ويظهر بالصورة كذلك الأنبا أغابيوس الثاني أسقف ديروط وصنبو وقسقام، أسيوط، مصر).

وهنا يتضح أن الرب حدَّد زيتًا (دُهنًا) للمَسْحَة، وشرح طريقة صناعته من الزيوت والعطور، وحدَّد أن استخدامه لتقديس:

1. خيمة الاجتماع رمزًا لتقديس الكنائس بمَسْحَة العهد الجديد.

2. تابوت الشهادة والمائدة ومذبح البخور ومذبح المحرقة وكل آنيتها رمزًا لتقديس مذبح العهد الجديد وكل آنيته وأواني الخدمة بمَسْحَة العهد الجديد.

3. المرحضة وقاعدتها رمزًا لتقديس جُرْن المعمودية في العهد الجديد.

4. هرون وبنيه ليَكْهَنوا رمزًا لتقديس الكهنة ورؤساء الكهنة.

وسفر اللاويين يؤكد هذا المعنى عندما وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى:. «خُذْ هَارُونَ وَبَنِيهِ مَعَهُ وَالثِّيَابَ وَدُهْنَ الْمَسْحَةِ... ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى دُهْنَ الْمَسْحَةِ وَمَسَحَ الْمَسْكَنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ وَقَدَّسَهُ. وَنَضَحَ مِنْهُ عَلَى الْمَذْبَحِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَمَسَحَ الْمَذْبَحَ وَجَمِيعَ آنِيَتِهِ وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا لِتَقْدِيسِهَا. وَصَبَّ مِنْ دُهْنِ الْمَسْحَةِ عَلَى رَأْسِ هَارُونَ وَمَسَحَهُ لِتَقْدِيسِهِ». (لاويين 8: 1-12، خروج29: 4-8)

وهكذا شرح لنا العهد القديم مدلول كلمة المَسْحَة، وطريقة عمل دهن (زيت) المَسْحَة، وفيما تستخدم.

المَسْحَة إذن هِيَ طقس السِّرِّ، وتلقيب القديس يوحنا الحبيب سِرَّ المَيْرُون «مَسْحَة مِنَ الْقُدُّوسِ» (1يوحنا2: 20) يشرح طقس ممارسته.

· «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ»: إشارة إلى أن هذه المَسْحَة مَظهرها تُمارَس بالمَسح بالزيت، أما جوهرها مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ، أي من الله يعمل فيها الروح القدس.

وكلمة «مَسْحَةٌ» تُبَيِّن أننا نحن المسيحيون متميزون عن غَيْرنا، وممتازون بهذه المَسْحَة المقدسة من الله القدوس، نمتاز بسِرِّ المَيْرُون.

· «كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ» يقول الرسول:

«لَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ» (1يوحنا2: 20)

«وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ» (1يوحنا2: 27)

«كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ » (1يوحنا2: 27)

إذا كانت هذِهِ الْمَسْحَةُ مجرد مَسح بزيتٍ عادى، فهي لا تُعَلِّم أحدًا شيئًا، أما إذا كانت سِرٌّ مقدس يعمل فيه الروحُ القدسُ عملًا حقيقيًا، فهي إذَن مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَهِيَ مَسْحَةٌ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ؛ لأن الروح القدس هو المُعَلِّم وهو الناطق في الأنبياء، وهو الذي يرشدكم إلى جميع الحق.

وهذا يطابق وعد الرب: «وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.» (يوحنا14: 26)، «فَهُوَ يَشْهَدُ لِي». (يوحنا15: 26)

· سِرُّ المَيْرُون هو سِرُّ التثبيت والثبات في الله، ولذلك قال الكتاب «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ...كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ». فنحن ثابتون في الله بالروح القدس ما دامت لنا هذه المَسْحَة التي أخذناها منه. والتعبير «ثَابِتَةٌ فِيكُمْ» يشير إلى أن سِرَّ المَيْرُون من الأسرار التي لها سِمَة لا تُمحَى؛ ولذلك لا يتكرر.