أعلن القديس يوحنا اللاهوتي في إنجيله عن وعْد الرب يسوع بإعطاءِ الروح القدس (المَيْرُون) لجميع المؤمنين في العهد الجديد بعد قيامته وصعوده بقليل فقال:
[1] «وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى: "إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ". قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ.» (يوحنا7: 37-39).
ففي اليوم الثامن، الأخير والعظيم من العيد الشهير عيد المظال، وقف الرب يسوع ونادى. ومعروف أن عدد سبعة هو عدد الكمال، ويأتي بعده اليوم الثامن، أي اليوم الأول من الأسبوع الجديد؛ لذلك فاليوم الثامن رمزٌ لبدء العهد الجديد، فحديث الرب هنا، يعني أنه سيتكلم عما سيحدث في العهد الجديد، أي بعد القيامة.
في مثل هذا اليوم العظيم من كل سنة، اعتاد اليهود أن يُمَارِسوا تقليدًا غير مكتوب في أسفارهم، تسلَّموه جيلًا بعد جيل، أن يرتدي الكهنة ملابسهم البيضاء، ويُحضِروا ماءً من بِرْكَة سِلْوَام يسكبونه أمام الجماهير المحتشدة في العيد؛ ليتذكر هذا الشعب ينبوع الماء المُتَفَجِّر من الصخرة في البرية بواسطة موسى النبي.
وأمام هذا المنظر وقف الرب يسوع وقال: «إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إلَيَّ وَيَشْرَبْ.»، وهو حديث للذين يريدون الحياة مع الله، «مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ»، لأن أنهار الماء الحَيِّ ترمز لثمار الروح القدس في حياة المؤمنين.
«قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ»
وهذا هو لُبُّ الموضوع.
نداء الرب في عيد المظال في اليوم الثامن، اليوم الجديد «مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» هو إعلان عن سِرِّ المَيْرُون في العهد الجديد وعن تَقَبُّل المؤمنين للروح القدس بواسطته؛ ولذلك قال مُعَقِّبًا «قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ». فجميع المؤمنين في العهد الجديد سيقبلون الروح القدس بواسطته.
وهذا لا يتم إلا في العهد الجديد؛ لذلك قال «لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»، ويقصد مجد الصليب والقيامة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
قال الرب يسوع:
[2] «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إلَى الأَبَدِ. رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ... وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.» (يوحنا14: 16، 17، 26)
هذا هو وَعْد ربنا يسوع المسيح أنه بعد صعودهِ سيرسل للكنيسة الروح القدس الذي يمكث ويعمل فيها إلى الأبد، فيكون في مقدور الكنيسة أن تُعطِيَه للمؤمنين جيلًا بعد جيل. وهذا ما نُطلِق عليه سِرَّ المَيْرُون.
«رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ... وَلاَ يَعْرِفُهُ» وإنما الذين قبلوا المعمودية وصاروا أبناء الله لا أبناء العالم، هؤلاء يُمكِنهم أن يقبلوه. وعبارة «وَيَكُونُ فِيكُمْ» تشير إلى أننا بسِرِّ المَيْرُون نأخذ سُكْنَى موهبة الروح فينا.
ثم يعود الرسول فيشير إلى فاعليات سِرِّ المَيْرُون فينا فيقول «وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ... فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.» أي أنه يُعطِي تعزية روحية، وإرشادًا وتعليمًا كما يُعطِي تذكيرًا بالوصية وتَبْكيتًا.
قال الرب يسوع أيضًا:
[3] «لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي وَلَكِنْ إنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ... وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إلَى جَمِيعِ الْحَقِّ.» (يوحنا16: 7، 8، 13)
وهذا أيضًا وعْد الرب بأنه سيُرسِل الروح القدس المُعَزِّي، روح الحق الذي سيَقْبَله جميعُ المؤمنين في العالم وليس الخاصة من الناس؛ ولذلك قال «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ»، فهذا هو عملُه في المؤمنين عمومًا. وإذا أخطأوا احتاجوا إلى تبكيت على خطاياهم ليتوبوا، وإن تَوَانَوا احتاجوا إلى حَثٍّ على عَمَل البِّر والفضيلة. أما الأشرار فيحتاجون إلى إنذار بالدينونة القادمة لعلهم يرجعون. وهنا نُدرِك أن حُلول الروح القدس في سِرِّ المَيْرُون حُلول عام على جميع المؤمنين الذين قبلوا الإيمان واعتمدوا باسم الرب. وهذا يختلف عن حلول الروح القدس على البعض من أجل مواهب مُعَيَّنة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/biblical-proof-1/section-3-chapter-1.html
تقصير الرابط:
tak.la/6shypwj