[5] سؤال في الصوم
تُسَجِّل البشائر الثلاثة الأولى قصة هذا السؤال الذي طرحه تلاميذ يوحنا المعمدان وبعض الفريسيين، والذي أجابه رب المجد بسؤالٍ آخرَ كطريقة تعليمية مُنَشِّطة للعقل، فيها يَكتسب المُعَلِّم رأى تلاميذه أو سامعيه:
ففي إنجيل القديس متى البشير يقول:
«حِينَئِذٍ أَتَى إلَيْهِ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ: "لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟" فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ" » (متى9: 14-15).
وفي إنجيل القديس مرقس الكاروز يقول:
«وَكَانَ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ: "لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟" فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ."» (مر2: 18-20).
وفي إنجيل القديس لوقا الطبيب يقول في (لوقا5: 33-35):
وَقَالُوا لَهُ: «"لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا كَثِيرًا وَيُقَدِّمُونَ طِلْبَاتٍ، وَكَذلِكَ تَلاَمِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟" فَقَالَ لَهُمْ: "أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي الْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ"»
وكانت إجابة الرب لهم حكيمة ودقيقة. ما كانت نقدًا للصوم وأهميته، ولا كانت رفضًا لعلانيته عند الفريسيين، وانتظامه في مواعيد معروفة. ولم تكُن إجابته حديثة عن سِرِّية الصوم أو فرديته أو تغييرًا لأهدافه، لكنه وافق على استمرار مبدأ الصوم كما هو، كما وافق على فِكرتهم في الصوم. فالصوم في العهد الجديد امتدادٌ لمفهوم الصوم في العهد القديم.
صوم جماعي يصومه التلاميذ، صوم مُعلَن في ميعاد مُعلَن؛ لأن اليهود والفريسيين لم يكونوا يسألوا عن صومٍ سِرَّيّ، بل عن صوم ظاهرٍ جماعي، يصومونه معًا، أما تلاميذ الرب لم يشتركوا معهم فيه.
إنَّ كل ما قاله رب المجد في إجابته: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا.» (مرقس2: 19).
وهكذا قرَّر أن الصوم أمرٌ هام، وأن تلاميذه لابُدَّ أن يصوموا، ولكن للصوم أوقات ومناسبات معينة، وهناك أوقات أخرى لا يُسمَح فيها بالصوم، تمامًا كما تعمل كنيستنا الآن.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
قال الرب «سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.» (متى9: 15)، (مرقس2: 20)، (لوقا5: 35)
هذا النَّصُّ المبارك من فم الرب، يشير إلى أن هناك أوقات يناسبها الصوم، فيها ينبغي أن نصوم. ففي الجمعة العظيمة، وقد أُخِذ الرب من بين تلاميذه وشعبه ودخل إلى المحاكمات، ثم ارتفع على الصليب؛ لذلك نحن نصوم كل يوم جمعة مُتَذَكِّرين رَفْعَ العَريس عنَّا على الصليب.
وبعد صعود الرب يسوع، حين رُفِع العريسُ عن الرسل، بدأوا صومًا، مازِلنا نصومه إلى الآن متمثلين بهم، هو صوم الآباء الرُّسُل، بعد صعود السيد المسيح مباشرة وحلول الروح القدس؛ ولذلك اعتُبِر هذا الصوم هو أول صوم صامته الكنيسة المسيحية في عصر الرُّسُل، فقد أسسه رب المجد، إذ حدَّد لهم ميعاده بهذه الآية «حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.» (مت9: 15) (مرقس2: 20) (لوقا5: 35).
هذا النَّصُّ الكتابي فيه إشارة إلى أوقاتٍ لا يَصِحُّ فيها الصوم. فقد قال الرب «مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا» (مرقس2: 19). ولذلك نحن نستوقف الصوم الانقطاعي في:
· أيام الآحاد؛ حيث نحتفل بوجود المسيح العريس قائمًا من الموت.
· الأعياد السيدية؛ حيث نحتفل بوجود المسيح معنا مولودًا في بيت لحم، أو مُعمَّدًا في نهر الأردن أو قائمًا من الأموات...
· فترة الأربعين يومًا التي تلي قيامة الرب التي عاشها معنا على الأرض في مجموعة من الظهورات.
· بعد التناول من جسد الرب ودَمِه؛ اعترافا بأننا بسر الِافْخَارِسْتِيَا نحمِل المسيح (العريس) داخلنا.
قال رب المجد «حِينَئِذٍ يَصُومُونَ» (متى9: 15)، (مر2: 20)، (لوقا5: 35) «يَصُومُونَ» بلُغَة الجماعة، وهكذا يتَّضِح أن الرب قد مهَّد للصوم الجماعي المُعلَن الذي تصومه الكنيسة كلها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/biblical-proof-1/fasting-times.html
تقصير الرابط:
tak.la/7z58k8w