مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - الجزء الأول - القمص يوحنا فايز زخاري

105- الصوم المختار من الله

 

[16] الصوم المختار من الله

ما أروع كلمات الوحي الإلهي في السفر النبوي الإنجيلي سفر إشَعْيَا: «نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ. وَإيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إلهِهَا.

يَسْأَلُونَنِي: عَنْ أَحْكَامِ الْبر. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إلَى اللهِ.

يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟

هَا إنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ.

هَا إنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُـومُـونَ، وَلِتَضْرِبوا بِلَكْمَـةِ الشَّـرِّ.

لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ.

 

St-Takla.org Image: Isaiah (Isaiah 1: 1), by Michelangelo - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: إشعياء النبي (إشعياء 1: 1)، رسم الفنان مايكل أنجلو - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟!

يَوْمًا يُذَلِّلُ الإنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولًا لِلرَّبِّ؟

أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ.

أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إلَى بَيْتِكَ؟ إذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ.

«حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ.» (إشعيا58: 1-8)

ليس كل صوم هو صوم مقبول أمام الله.

كم صام كثيرون متذللين طويلًا في نُسْك شديد، ثم وقفوا في نهاية صومهم يقولون لله: «لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْـظُرْ؟ ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟»

وكان صوت الله لهم يشرح لماذا لم يُقبَل صومهم.

«هَا إنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ.

 هَا إنَّكُمْ لِلْخُصُـومَـةِ وَالنِّـزَاعِ تَصُـومُـونَ، وَلِتَضْرِبوا بِلَكْمَـةِ الشَّـرِّ.»

وكان صوت الله لهم معاتبًا: «أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟

 هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولًا لِلرَّبِّ؟»

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

لماذا يكون الصوم غير مقبول؟

· مسرَّات العالم ومشاغله.

· وجود الخصومات والمُنازعات والشرور.

سواءً كانت الخطيئة إيجابية مثل الخصومات والمنازعات والشرور، أو كانت الخطيئة سلبية بأن ينشغل الإنسان عن الله بِمَسرَّات العالم ومشاغله (في حد ذاتها ليست خطيئة). فالصوم لا يكون صومًا مقبولًا إلا إذا رفض الإنسان من قلْبه كل نوع من الخطيئة في توبة حقيقية.

 

الأعمال الصالحة تجعل الصوم مقبولًا:

وكما أن هناك أمورًا تجعل الله يرفض الصوم، فإن هناك أمورًا أخرى تجعل الله يختار هذا الصوم ويَقبَله، وَهِيَ كما ذكرها إشَعْيَا الإنجيلي:

(1) «حَـلُّ قُيودِ الشَّـرِّ، فَكُّ عُقَدِ النِّيرِ. إطْلاَقُ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِير.»

(2) «أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إلَى بَيْتِكَ إذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَـاضَى عَنْ لَحْمك.»

 

وهناك أيضًا نوعان من البِر:

(1) بر روحي بتحرر الإنسان من رباطات الخطيئة بكل أنواعها.

(2) بر جسدي بأعمال البر نحو الجائع، والمسكين، والغريب، والعريان مع ملاحظة أن هذا البر ينبغي أن يكون مقترنًا بالحب:

· ليس مجرد إعطاء الجائع خبزًا، بل أن «تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ» بِحُـبٍّ

· كلمة «خبزك» تَعْنِي أيضًا أن العطاء ليس من الفائض، بل من الخبز الذي تحتاجه أنت.

· «وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إلَى بَيْتِكَ» ليس فيها مجرد إعطاء مأوى، بل يكون المأوى هو (بيتك). وهذا يُلزِمُنا بالحب، بل أن من سنقبَلُه في بيوتنا ليس المساكين فحسب بل ذلك النوع التائه من المساكين.

· «ولاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ» معناها أن الخبز للجميع، ولا سيما أقربائك.

 

وأخيرًا... ماذا يفعل الصوم؟

 ذلك الصوم المقرون بالتوبة الحقيقية،

 وذلك الصوم المقرون بأعمال الخير المتنوعة.

سيُوصِلنا إلى تلك النتائج المُذْهِلة، وهي نوعان:

(أ) نوع روحي قال إشَعْيَا النبي فيه: «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ...» إلى نهاية الإصحاح. عديد من النعم الإلهية الروحية يعطيها الرب للإنسان الصائم ذلك الصوم المختار من الله.

وهنا أدعوكَ أن تفتح كتابك المقدس لتقرأ الإصحاح الرائع (إشعيا 58)

(ب) نوع جسدي قال إشَعْيَا النبي فيه: «وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا» (إش58:8) وعجيب أن تكون بركات الصوم المقبول أن تَنْبُت صِحَّتُكَ سَرِيعًا. فمهما قِيل من تَأثُّرِ الصِّحة بواسطة الصوم، فإنني أؤمن إيمانًا كتابيًا بأن السلام الذي يعطيه ذلك الصوم التَّعَبُّدِي لله في قلب الإنسان يُعطِي صِحةً أفضل مما تُعطيه اللحوم والمأكولات الحيوانية.

ونضيف إلى كلمات إشَعْيَا النبي قصة الفتية الثلاثة الذين أكلوا القطانى مع دانيال، وصاروا أكثر صِحَّة من الذين أكلوا من أطايب الملك، وشربوا من خمره في رفاهية (دانيال1: 15).

صوم إرميا وكل شعبه

الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - ج1 كتب القمص يوحنا فايز زخاري

الصوم النباتي لداود النبي

---