St-Takla.org  >   books  >   fr-youhanna-fayez  >   biblical-proof-1
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - الجزء الأول - القمص يوحنا فايز زخاري

47- طريقة ممارسة سِرِّ المعمودية أو طقسها: هل وضع الآباء الرُّسُل طريقة ممارسة الأسرار السبعة؟

 

طريقة ممارسة سِرِّ المعمودية أو طقسها

الاعتراض السابع

هل وضع الآباء الرُّسُل طريقة ممارسة الأسرار السبعة؟

يتصور البعض أن الكتاب المقدس قد حدَّد الإيمانَ المسيحي أو العقيدة المسيحية فقط، أما الطقس وطريقة الممارسة فقد حددها آباء الكنيسة المقدسة فيما بعد. ولكن هذا التصوُّر ليس حقيقيًا؛ لأن آباء الكنيسة قد مارسوا تطبيقًا لما تسلموه من الآباء الرُّسُل الذين نقلوا عن الرب يسوع المسيح له المجد، الذي وضع بنفسه طريقة ممارسة الأسرار المقدسة، وإن كان العهد الجديد قد أشار إليها في إيجاز؛ لأن الممارسة تحتاج إلى تسليم عملي أكثر مما تحتاج إلى تعليم نظري مكتوب، ومن هنا ظهرت أهمية التقليد الشفاهي والتسليم العملي.

 

St-Takla.org Image: Reverend Father Mousa Iskander Saad Ghaly, priest of Saint George Coptic Orthodox Church, El-Sahel, Shoubra, Cairo, Egypt. During the baptism of a baby. صورة في موقع الأنبا تكلا: أبونا القس موسى إسكندر سعد غالي، كاهن كنيسة الشهيد مار جرجس القبطية الأرثوذكسية، الساحل، شبرا، القاهرة، مصر، أثناء معمودية أحد الأطفال.

St-Takla.org Image: Reverend Father Mousa Iskander Saad Ghaly, priest of Saint George Coptic Orthodox Church, El-Sahel, Shoubra, Cairo, Egypt. During the baptism of a baby.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أبونا القس موسى إسكندر سعد غالي، كاهن كنيسة الشهيد مار جرجس القبطية الأرثوذكسية، الساحل، شبرا، القاهرة، مصر، أثناء معمودية أحد الأطفال.

ففي سِرِّ المعمودية حدد السيد المسيح له المجد طقسها:

(1) مادة السر وَهِيَ الماء.

(2) تُمارَس بالتغطيس في الماء، أي بالدفن؛ ولذلك صارت ثلاث غطسات رمزًا لِلدَّفْن ثلاثة أيام، ثُمَّ الانتشال من الماء رمزًا للقيامة.

(3) حدَّد الرب أن تكون على اسم الثالوث القدوس؛ ولذلك تصير ثلاث غطسات.

(4) أشار مار بولس الرسول إلى ربط المعمودية بطقس جحد الشيطان.

(5) حدد مار بطرس الرسول أن المعمودية تُمارَس للمؤمنين وأبنائهم.

 

رسم لنا السيد المسيح له المجد طريقة ممارسة سِرِّ المعمودية. فحينما اعتمد هو من يوحنا المعمدان السابق الصابغ سَجَّلَ القديس متى في قصة عماده هذه العبارات: «فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ"». (متى3: 16، 17).

هنا أشار الكتاب المقدس إلى طريقة ممارسة سِرِّ المعمودية بالتغطيس في الماء إذ يقول: «صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ»، وبالطبع كلمة صعد تُفيد أنه كان مغمورًا في الماء.

ولم يُغفَل هنا أن الروح القدس له عمل حقيقي في المعمودية؛ لأن « رُوحَ اللهِ نَازِلًا... وَآتِيًا عَلَيْهِ». وأنَّ المعمودية تُعطي البُنُوَّة لله؛ ولذلك في هذا الوقت جاء صوت الآب قائلًا «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ».

 وفي حديث السيد المسيح مع نيقوديموس الذي جاء له ليلًا أشار إلى أن المعمودية تُمارَس بواسطة مادة محددة هِيَ الماء، وبفاعلية الروح القدس. إذ قال الرب له: «إنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا3: 5) مُفسِّرًا لقوله «إنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا3: 4). وهكذا شرح الرب يسوع لنيقوديموس طريقة ممارسة تلك الولادة السِّرِّية من فوق.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

هكذا حدَّد السيدُ المسيح له المجد ممارسةَ سِرِّ المعمودية:

أنها تتم بالتغطيس في الماء (كمادة محددة)، وبفعل حقيقي للروح القدس وأنها تُعطِي البُنُوَّة لله بولادة سرية من فوق.

ثم أضاف السيد الرب أنها ينبغي أن تُمارس: على اسم الثالوث القدوس إذ أمر تلاميذه الأحد عشر حينما كانوا منطلقين إلى الجليل مرسلًا إياهم قائلًا: «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متى28: 19).

لذلك وجدنا أن الآباء الرُّسُل قد مارسوا سر المعمودية بهذه الطريقة وذلك الطقس، الذي عَلَّمه رب المجد ذاته سواء بالقدوة العملية أو التعليم.

فالقديس بطرس الرسول يُوَضِّح لليهود والساكنين في أورشليم المجتمعين في يوم الخمسين أن سِرَّ المعمودية ينبغي ممارسته للمؤمنين وأولادهم، كما أنه يُمَارِس على اسم يسوع المسيح فيقول لهم: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إلهُنَا». (أعمال2: 38، 39).

ومرة أخرى يُوَضِّح مار بطرس الرسول لأهل قيصرية أن المعمودية يجب أن تُمارَس على اسم الرب فيُسَجِّل سفر الأعمال عنه «وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ أَيَّامًا» (أع1: 48).

والقديس بولس الرسول في سفر الأعمال نجده يُعَمِّد أهل أفسس باسم الرب يسوع «فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ». (أعمال19: 5)

ويؤكد سفر الأعمال هذا المعنى أثناء حديثه عن معمودية الخَصِيّ الحبشي بواسطة القديس فيلبس الرسول أنه لابد أن يُمَارَس سر المعمودية في الماء فيقول: «وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ، فَقَالَ الْخَصِيُّ: "هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟"» (أعمال8: 36).

ولما أشار إلى أن المعمودية تُمارَس بالتغطيس في الماء وليس بالرش فيقول سفر الأعمال «فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ. وَلَمَّا صَعِدَا مِنَ الْمَاءِ، خَطِفَ رُوحُ الرَّبِّ فِيلُبُّسَ» (أعمال8: 38، 39).

وواضح أن رشَّ الماء لا يحتاج إلى إيقاف المركبة ولا إلى نزولهما إلى الماء فضلًا على أن التعبير «صَعِدَا» يعني التغطيس وليس الرَّش.

ومار بولس الرسول يُوَضِّح في رسالته إلى الرومانيين طريقة ممارسة المعمودية بالدفن في الماء فيقول: "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ» (رومية6: 3-5).

فالمعمودية دفن مع المسيح؛ ولهذا تُمارَس بالتغطيس على اسم المسيح. وَهِيَ قيامة مع المسيح؛ لذلك دفعات التغطيس الثلاث في طقس المعمودية تشير إلى الثلاثة أيام التي قام بعدها المسيح إلهنا، ولذلك أشار القديس بولس بعبارة «بِشِبْهِ مَوْتِهِ»، ثم «بِقِيَامَتِهِ».

ثم حدد الطقس، وهو الدفن في المعمودية. ويكرِّر ذات المعنى في رسالته إلى كولوسي فيقول لهم:

«مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ» (كو2: 12).

 

مما سبق يتضح أن السيد المسيح والآباء الرُّسُل قد وضَّحوا أن طقس ممارسة سِرِّ المعمودية يجب أن يكون:

(1) بالتغطيس في الماء، وبفعل الروح القدوس؛ لإعطاء البُنُوَّة لله.

(2) يُمارَس للمؤمنين وأبنائهم أيضًا.

(3) يُمارَس على اسم الثالوث القدوس.

ويضيف مار بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس نقطة جديدة:

(4) طقس جحد الشيطان.

وفي إشارة القديس بولس هذه، نرى الرَّبْط الرائع بين سِرِّ المعمودية وإشارة العهد القديم له.

فإذ يُسَجِّل سفر الخروج قصة بني إسرائيل وخروجهم من أرض العبودية قائلًا: «فَدَخَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خروج14: 22). ويكرر هذا المعنى الهام «وَأَمَّا بَنُو إسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خروج14: 29). وما من شك أن ارتفاع البحر أكثر بكثير من طول الإنسان؛ لذلك فدخول بني إسرائيل بهذه الصورة يكون إشارة إلى فكرة التغطيس التي فيها يرتفع الماء أعلى من الإنسان المعمد.

ثم نجِد سحابة من فوق تظللهم، تشير إلى حلول الروح القدس على المعمدين. ثم يأتي القديس بولس الرسول فيلسوف المسيحية لكي يُعَلِّمَنا هذا الدرس. إن المعمودية ليست معمودية الماء وحده ولا معمودية الروح القدس وحده، بل معمودية الماء والروح معًا فيقول: «فَإنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ» (1كورنثوس10: 1-2). وحينما يذكر سفر الخروج أن هذا البحر الذي كان سببًا في خلاص بني إسرائيل، كان في ذات الوقت سببًا في غرق وهلاك جيش فرعون إذ يقول «فَرَجَعَ الْمَاءُ وَغَطَّى... جَيْش فِرْعَوْنَ الَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ.» (خروج14: 28)؛

ليُعَلِّمَنا أن سِرَّ المعمودية سبب خلاصنا، هو أيضًا سبب هلاك الشيطان وكل جنوده وحِيَلِه، ذلك الذي نجحده فيها.

كل مُعَمَّد يجحد الشيطان، وينفصل عن مملكته مُنْضَمًّا إلى مملكة السيد المسيح له المجد.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/biblical-proof-1/baptism-rite.html

تقصير الرابط:
tak.la/7vpsq6d