محتويات: (إظهار/إخفاء) |
اعرف قيمة نفسك يسوع قادر أن يقيمك لا تيأس، تطلع إلى الله! تمسك بالرجاء عوض أفكار اليأس لا تغلق الباب... أفرحني معك لا تكف عن الصراع |
"يا ليت رأسي ماء، وعينيَّ ينبوع دموع" (إر 1: 9). إنه الوقت المناسب لكي أنطق بهذه الكلمات الآن. نعم أكثر مما كان للنبي في أيامه. فإنني وإن كنت لا أبكي على خراب مدنٍ كثيرة بل وجميع المدن، فإنني أنتحِب من أجل النفس التي توازي كل هذه، بل وأكثر جدًا...
إنني لا أحزن لأجل دمار مدينة أو أَسْرهَا بواسطة الأشرار، بل أحزن لأجل تدمير روحك المقدسة... وهلاك الهيكل الحامِل للسيد المسيح وإبادته... هذا الهيكل أقدس من ذاك (هيكل العهد القديم)، فإنه لا يتألق بذهبٍ وفضةٍ، بل بنعمة الروح القدس، وبدل تابوت العهد وتمثاليْ الكاروبيم يوجد في القلب السيد المسيح وأبوه والباراقليط...
أما الآن بعد سقوطك، فالكل قد تغير، الهيكل خرب، وزال جماله وبهاؤه، ولم يعد بعد مُزَيَّنًا بالزينات الإلهية غير المنطوق بها، بل صار مفتقرًا إلى كل حمايةٍ وحصانةٍ. فلم يعد له باب ولا مِتراس، بل صار مفتوحًا لكل سلوكٍ مدمِّر للنفس ولكل فكرٍ معيبٍ. فإن أراد فِكْر حب الظهور أو الزنا أو حب المال أو أكثر من هذه الأفكار دنسًا أن تدخل فيه، فليس ما يمنعها. أما قبل السقوط فقد كانت الروح في حصانة السماء التي لا يدخلها شيء من هذا.
ربما يبدو كما لو كنت أنطق بأمور لا يصدقها مَنْ شاهد انحلالك وخرابك، فمن هذه الناحية أبكي مُنْتَحِبًا، ولا أكف عن ذلك حتى أراك قائمًا في بهائك السابق مرة أخرى. فإنه وإن كان هذا يبدو مستحيلًا بالنسبة للبشر، لكن كل شيء مُستطاع لدى الله. فهو "المقيم المسكين من التراب؛ الرافع البائس من المزبلة، ليجلسه مع أشراف شعبه" (مز 113: 7-8). وهو "المُسكن العاقر في بيت أم أولاد فَرِحَة" (مز 113: 9).
إذًن لا تيأس من تغَيُّيرك تغيُّرًا كاملًا.
إن كان الشيطان لديه هذه القدرة، أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ والفضيلة السامية، إلى أبعد حدود الشر؛ فكم بالأكثر جدًا يكون الله قادرًا أن يرفعك إلى الثقة السابقة، ولا يجعلك فقط كما كنت، بل وأسعد من ذي قبل.
لا تيأس ولا تَطْرَح الرجاء الحَسن، ولا تسقط فيما يسقط فيه الملحدون، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فإنه ليست كثرة الخطايا هي التي تؤدي إلى اليأس بل عدم تقوى النفس.
توجد فِئَة معينة هي التي تسلك طريق اليأس عندما يدخلون طريق الشر، غير محتملين النظر إلى فوق، أو الصعود إلى فوق ما سقطوا إليه.
هذا الفكر الدنس (اليأس)، يثقل على عنق النفس كالنير فيُلزمها بالانحناء، مانعًا إيَّاها من أن تنظر إلى الله. لهذا فعمل الإنسان الشجاع والممتاز هو أن يكسر هذا النير قطعًا، ويزحزح كل ثقلٍ مثبتٍ فوقه، ناطقًا بكلمات النبي: "مثل عينيّ الأمة إلى يديّ سيدتها، كذلك أعيننا نحو الرب إلهنا، حتى يتراءف علينا. ارحمنا يا رب ارحمنا، فإننا كثيرًا ما امتلأنا هوانًا" (مز 123: 2-3).
يقول: "امتلأنا هوانًا"، وإننا تحت ضيقات لا حصر لها، ومع هذا لن نكف عن التطلع إلى الله، ولا نمتنع عن الصلاة إليه، حتى يستجيب طلبتنا. لأن علامة النفس النبيلة، هي ألَّا تنحني من كثرة الكوارث التي تضغط عليها، أو تفزع منها، ولا تتراجع بعد عن الصلاة دفعات كثيرة... بل تثابر حتى يرحمها الله كقول داود الطوباوي السابق.
يسحبنا الشيطان إلى أفكار اليأس، حتى يقطع رجاءنا في الله. فالرجاء هو مرساة الأمان، ينبوع حياتنا، قائدنا في الطريق المؤدي إلى السماء، خلاص للنفوس الهالكة... فقد قيل: "لأننا بالرجاء خلصنا" (رو 8: 24).
الرجاء، بالتأكيد يشبه حبلًا قويًا مُدلَّى من السماء، يعين أرواحنا، رافعًا من يمسك به بثباتٍ، فوق هذا العالم، وتجارب هذه الحياة الشريرة. فإن كان الإنسان ضعيفًا وترك هذه المرساة المقدسة، يسقط للحال، ويختنق في هوة الشر.
يعلم الشيطان ذلك، فعندما يدرك أننا متضايقون بسبب شعورنا بأعمالنا الشريرة، يضع في نفسه أن يلقي علينا حملًا إضافيًا أثقل من الرصاص، وهو القلق الناشئ عن اليأس. فإن قبلناه يتبع ذلك حتمًا سقوطنا إلى أسفل بسبب الثقل، تاركين ذلك الحبل، ساقطين في عمق البؤس الذي أنت فيه الآن، ناسين وصايا الله الوديع المتواضع، متوقعين إنذارات الطاغية القاسي وعدو خلاصنا الذي لا يغفو، كاسرين النير الهين وملقين عنا الحِمل الخفيف، لنضع بدلًا منهما طوقًا حديديًا، معلقين على رقابنا حجارة طاحونة ثقيلة...
المرأة التي وجدت الدرهم الواحد، دعت جاراتها ليشاركنها فرحتها قائلة: "افرحن معي". وأما أنا فأستدعي كل أصدقائنا - أنا وأنت - لهدف مخالف، غير قائل لهم: "افرحوا معي"، بل "ابكوا معي"، لأنه قد حدثت لي أشر خسارة. إنها ليست وزنات من ذهب، أو كميات ضخمة من حجارة كريمة سقطت من يديّ، بل ما هو أثمن من كل هذا، فذلك الذي كان يبحر معي في نفس البحر وعلى نفس القارب لست أعرف كيف انزلق من على ظهر السفينة وسقط في هوة الهلاك...!
علينا فقط ألاّ نيأس، ولا ننمي فينا الخوف من الرجوع، لأنه من كان كذلك، فإنه حتى إذا نال قوة وغيّرة بلا حدود تصير بلا فائدة...!
من يغلق على نفسه باب التوبة، ويمتنع عن الدخول في ميدان السباق، كيف يمكنه أن ينال أمرًا صالحًا، قليلًا كان أو كثيرًا، وهو في الخارج مربوط؟!
يستخدم الشرير كل الحيل ليزرع فينا فكر اليأس، فإن نجح في ذلك، لا يحتاج بعد إلى جهاد أو تعب في صراعه ضدنا، مادمنا منطرحين وساقطين وغير راغبين في المقاومة...
من يقدر أن يتخلص من هذه السلسلة، ويستعيد قوته، ولا يكف عن المقاومة ضد الشيطان حتى آخر نسمة، حتى ولو سقط مرات كثيرة بلا عدد، مثل هذا يقوم ويضرب عدوه. أما من كان في عبودية أفكار اليأس... فكيف يقدر أن يغلب وهو لا يقاوم بل يهرب من أمام عدوه؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/stronger/dont-despair.html
تقصير الرابط:
tak.la/37adh5y