في اللغة العربية كلمة "قدوس" التي تعادل קָדוֹשׁ "قدوش" بالعبرية، "وهاجيوس أو أجيوس" باليونانية، تخص الله وحده، الذي في محبته لخليقته لم يجعل فقط الإنسان الذي يكرس قلبه له قديسًا وإنما حتى الموضع الذي يُكرَّس للعبادة لله بيتًا مقدسًا، والأدوات التي تُستخدَم فيه مقدسة!
إذن فالقديسون في الحقيقة هم أناس الله الذين قدَّموا قلوبهم وحياتهم وأعمالهم لله كعمل محبة، هذا ما دفع الرسول بولس إلى دعوة مؤمني فيلبي وكولوسي وأفسس ورومية قديسين في مقدمة رسائله لهم، بكونهم أعضاء جسد المسيح القدوس، الذين صاروا شعب الله الجديد المقدس له.
يرى العلامة أوريجينوس أن من يدرس الفلسفة مثلًا يُحسَب فيلسوفًا بعد شوط معين وإن كان لا يوجد من بلغ نهاية شوط الفلسفة، وهكذا العلم، بنفس المعنى فإن القديس هو من أحب القداسة والتصق بها مجاهدًا فيها بنعمة الله، سالكًا في طريقها وإن كان لم يبلغ إلى كمال مشتهاة بعد.
ما نود تأكيده هنا في مفهومنا للقديسين الآتي:
1. القداسة ليست حكرًا على فئة معينة، إنما هي عطية الله المجانية يهبها للكاهن، كما للشعب، وللراهب كما للمتزوج، وللشيخ كما للطفل... ما دام الإنسان يتجاوب مع هذه العطية عمليًا، ويقبلها في حياته ويسلكها. لستُ بهذا أقلل من أهمية التكريس سواء للحياة التأملية أو الخدمة، إنما أود أن يطمئن كل مؤمن أن عطية الله مقدمة للجميع... وسنرى في القاموس الذي بين أيدينا عينات مختلفة سواء من جهة المواهب أو القدرات أو السن أو المركز الاجتماعي أو الثقافي... الخ فكنيسة الله تضم قديسين من كل نوع!
2. كثيرًا ما يرتبط في ذهن البعض أن القداسة هي القيام بأعمال خارقة مثل الصوم لفترات طويلة أو صنع معجزات... إنما نقول وإن كان الله يهب قديسيه ما هو فائق للطبيعة في أحيان كثيرة، إنما ما نطّوبهم عليه هو غلبتهم الداخلية على الشر، وحياتهم وشركتهم مع الله في ابنه يسوع المسيح. بمعنى آخر القداسة هي عطية روح الله القدوس الذي يثبتنا في الابن القدوس ليكون لنا موضع في حضن أبيه القدوس؛ القداسة هي عمل الثالوث القدوس فينا. بمعنى آخر هي تجاوب عملي مع نعمة الله لكي نحمل مسيحنا القدوس فينا، نشاركه سماته ونمتثل به، فنقول مع الرسول بولس: "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20).
3. إن كانت الكنيسة تقوم بالتقنين Canonization لتقدم لأبنائها أسماء القديسين من شهداء ومعترفين وآباء أساقفة وكهنة ورهبان وشعب... فإنها إنما تقدم ما قد عرفه المؤمنون من قديسين وتبقى بلا حصر من القديسين سحابة شهود لا يعرفها إلا الله وحده، لهذا تقيم بعض الكنائس عيدًا باسم "كل القديسين"، سواء الذين تعرفهم وتطّوبهم بالأسماء أو لا تعرف أسماءهم.
هنا أيضا يليق بنا أن نؤكد أن القديسين لا يصيرون هكذا خلال التقنين، إنما يأتي التقنين ليكشف عن قديسين ننتفع بصلواتهم ونمتثل بهم، كما فعلت الكنيسة القبطية في السنة الخمسين من نياحة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة، فقرر المجمع المقدس ذِكْر اسمه في القداس الإلهي مع سحابة القديسين.
4. بحكمة إلهية تُقيم الكنيسة أعيادًا للقديسين في تذكار نياحتهم أو استشهادهم أو نقل رفاتهم الخ... إذ يسكب هذا على الكنيسة في جهادها نوعًا من الفرح الروحي المستمر، فهي لا تنوح كمن فقدت أعضاء لها بل تُسبِّح الله وتشكره وتطلب صلوات القديسين كسَنَدٍ للمجاهدين.
هنا أود تأكيد أن التطويبات أو التمجيدات الأصلية التي تُمارس إنما تبرز "عمل الله" في حياة القديس وتؤكد عطيته المجانية، فتلهب قلوب الشعب حبًا، وتفتح أمامهم الرجاء، ليكون لهم نصيب مع هؤلاء القديسين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/saints/saints.html
تقصير الرابط:
tak.la/3k4zxan