بعد أن أبرز القديس يوحنا الذهبي الفم أهمية ما يسميه بفن الحكم، أو السلطة الحاكمة، التي بدونها تصير الدولة في حالة من الفوضى، ويفقد المجتمع كل شيء، يؤكد الحاجة إلى القانون الداخلي للإنسان، فيحكم نفسه بنفسه، قبل أن يرهب القانون الخارجي.
* الآن إن فحصنا الأمر في أكثر عمق، يجد الإنسان قاعِدة أخرى، هي أصل (والد) هذا والمرجع له. ما هي هذه القاعدة؟ أن يلتزم كل إنسانٍ بضبط نفسه، وتهذيب أهوائه الفاسدة، وإنعاش كل بذور الفضيلة وإنمائها بعناية فائقة للغاية.
بالحقيقة توجد أنواع كثيرة من الحكومات: حكومة بها يحكم الناس الشعوب والدول، وينظمون حياتهم السياسية. ويشير بولس إلى هذه بقوله: "تخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله" (رو13: 1). ولكي يظهر فائدتها يضيف: "لأنه خادم الله للصلاح" (رو13: 4). ويضيف: "لأنه خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو13: 4).
والثانية هي التي بها يحكم كل أحد نفسه؛ هذه أيضًا يشير إليها الرسول إذ يقول: "أفتريد أن لا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح" (رو13: 3)، مشيرًا إلى حكم الإنسان على نفسه.
أضف إلى ذلك حكومة أخرى أعظم من الحكومة السياسية، ما هذه؟ هذه التي تُمارس في الكنيسة. وهذه أيضًا يشير إليها بولس: "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم، كأنهم سوف يعطون حسابًا" (عب 13: 7). هذه الحكومة أفضل من السياسية كما أن السماء أفضل من الأرض، بل وأفضل كثيرًا. لأنها تستند أساسًا ليس على فكرة معاقبة الخطايا التي ارتكبت، وإنما على فكرة عدم ارتكاب الخطايا نهائيًا. ثانيًا لا تسعى إلى إعدام المجرم، بل إلى إزالة خطاياه. فإن سلطة الكنيسة لا تهتم بأمور هذا العالم، بل بالحري فان تعاملاتها كلها تهتم بالأمور التي في السماء.. هذا وأن الذين يمارسون الحكم السياسي أو الحكم في الكنيسة لا يستطيعون تحقيق هذه المسئولية إن لم يحكموا أنفسهم أولًا كما يليق، ويطيعوا بكل دقةٍ القوانين الخاصة بسياستهم.[44]
_____
[44] Homilies on 2Cor., homily 15:3.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/own-rule.html
تقصير الرابط:
tak.la/4gtjjj9