منذ البداية سلكت الكنيسة في العالم، بكونها مُضطهدة ومطرودة خارج المحلة، لا لتقيم من أعضائها دولة، بل لتعمل بهم كخميرةٍ مقدسةٍ، قلوبهم مرتبطة بالوطن السماوي. وكما يقول الرسول بولس: "فلنخرج إذا إليه خارج المحلة، حاملين عاره. لأن ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة" (عب 13: 13-14).
حقا الكنيسة هي إسرائيل الجديدة، شعب جديد، لكنها ليست دولة، إنما شعب له رسالة سماوية وسط العالم.
لكن لا يمكن تجاهل أن نمو الكنيسة السريع أبرز المسيحيين كشعبٍ جديدٍ، لهم فكرهم الخاص. لذلك قسَّم الفيلسوف أريستيدس Aristides (القرن الثاني) الجنس البشري إلى: هيلينيين ويهود ومسيحيين، وبحسب النسخة السريانية: برابرة وهيلينيين ويهود ومسيحيين[55]. وقد أكد أن المسيحيين "بالحقيقة شعب جديد"[56].
هذا الشعب الجديد الذي اتسم بالحياة الروحية المقدسة جاء من كل بقية الأجناس بعد موت السيد المسيح وقيامته وصعوده إلى السماء، وصار الكل شعبًا آخر. وكما يقول الشهيد يوستين إنهم "أمة متحدة في الإيمان والتقوى والبرّ"[57].
إنهم شعب جديد، لكنهم ليسوا جنسًا آخر، يتسم هذا الشعب بالجامعية، لكنهم لا يكَّونون جنسًا متميزًا عن بقية الأجناس. يشعرون أنهم أسمى من أن يُحَدوا بجنسٍ معينٍ. يقول العلامة أوريجينوس "المسيحيون ليسوا جنسًا، بل شعب واحد قادم من كل الأجناس". يلزم أن يُدعوا: "جنس الأجناس"[58].
يرى الآباء الرسوليون ومن بعدهم أن المجتمع المسيحي، أو الكنيسة، شعب جديد هو جيش روحي، يعرف كل مؤمن موقعه فيه، له نظام هرمي قمته "السيد المسيح"، ملك الملوك، ومخلص الجميع، يخضع له كل ما في السماء وما على الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. المسيحيون يحاربون روحيًا تحت لوائه، ومن ينحرف عنه يهلك. يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي إن المعمودية "هي درع، والإيمان هو خوذة، والحب هو رمح، والصبر سلاح، والأعمال الصالحة هي الربح المختزن لكم حتى متى انقضى وقت الخدمة تنالون المكافأة اللائقة بكم"[59].
في حوار القديس يوستين مع اليهود قال: "بعد موت البار، جئنا إلى الوجود كشعبٍ جديدٍ"، مكروهٍ من اليهود "وكل بقية البشر، بالرغم من أننا أخوتهم في الطبيعة"[60].
هذا الشعب الجديد له نظامه الخاص الهيراركي (الكهنوتي) hierarchical، له أيضًا نظامه المالي حيث يتقبل التبرعات المنتظمة أو كدفعات غير منتظمة، المالية والعينية، وله حق العطاء والأنفاق على العاملين فيها والأرامل والأيتام والفقراء والمرضى والتعليم إلخ.
مع نهاية القرن الثاني صار للكنائس مبان خاصة بها، وأيضًا، مدافن وأحيانًا أرصدة مالية.
وجود نظام دقيق للكنائس أثار الحكام الموالين للدولة الرومانية إذ حسبوا الكنائس أشبه بمؤسسات لها قوانينها وأنظمتها التي قد تقف في وجه الدولة الرومانية وقوانينها.
* فلنتجنّد أيّها الاخوة بكل جدٍ حسب وصاياه المقدّسة.
ولنلاحظ الذين يخدمون قادتهم بأي نظم وطاعة وخضوع يتمّمون أوامرهم.
فإنه ليس الجميع ولاة ولا قوّاد ألف ولا قوّاد مائة أو خمسين، إنّما كل واحد حسب رتبته يأخذ الأمر من الملك أو القوّاد.
إذ لا وجود للكبار بدون الصغار، ولا للصغار بدون الكبار، وإنّما في كل مكان يوجد دمج (كبار وصغار) لنفع الجميع[61].
_____
[55] Apology, 2. Hellenes ordinarily is taken to mean pagans.
[56] Aplogy, 16, Syriac version.
[57] Justin: Dial. 109, Passim; cf Tertulliam. Apology, 42: 1.
[58] Origen: In ep. Ad Rom. 8: 6. PG 14:11 73.
[59] St. Ignatius: Polyc. 2.
[60] Dial 119: 3; 134: 5.
[61] 1 Clement 37:1-4.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/new-people.html
تقصير الرابط:
tak.la/w9mpr6q