إن كان السيد المسيح قد جاء ليقدم للعالم الخلاص، فيرفع المؤمنين إلى المجد السماوي الأبدي، فإنه وإن كان لم يلتحق بمدارس فلسفية وعلمية، لكنه قدَّم نظرة جديدة للإنسان، مكرمًا إياه فوق كل العالم، وقدَّس كل ما للإنسان لكي يعمل بروح القوة والتقدم والتمتع بالحياة الفضلى. بهذا دفع البشرية نحو الاهتمام بالتقدم والمعرفة والعلم. وجاءت كنيسته تدفع العالم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للتقدم.
لم يدخل السيد المسيح في حوارات فلسفية (كان العلم جزءً من الفلسفة)، لكنه فتح الطريق للكل كي يدرسوا ويتعلموا.
على سبيل المثال كان الأرسطاطليون يرون أنه لا يمكن أن يكون الإنسان سعيدًا متى كان فقيرًا أو بلا شهرة أو مريضًا أو عبدًا. وكانت نظرة المجتمع إلى التعلم أنه حق خاص بالشخص الحر الغني صاحب الجاه والقوي البنية وحده، أما العمال الفقراء والعبيد فليس من حقهم الالتحاق بالمدارس لينالوا التعليم الكلاسيكي.
جاءت الكنيسة تنادي أنه ليس عبد ولا حر في المسيح يسوع (غل 3: 28)، تُقدم الطوبى للمساكين والحزانى والمتألمين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. جاء الإيمان المسيحي دعوة للعالم كله لكي يتمتع بالمعرفة، بل ويتشكل ويتجدد بروح الله المُقدم بلا محاباة، ليصير الإنسان على صورة خالقه. بهذا قُدم التعليم المسيحي للجميع لكي يختبر المؤمن الحياة الجديدة المقدمة في الرب، ويتمتع كل يوم بخبرة حية في علاقته مع خالقه ومخلصه. لقد انفتح باب التعليم أمام الجميع، وتخرج من التعليم المسيحي أساتذة أبطال في الحياة المقدسة كما في المعرفة مثل القديسين بنتينوس وإكليمنضس السكندري ويوستين وارستيدس وغيرهم. يقول العلامة أوريجينوس إن كل أسقفية صارت مدرسة.
يمكننا تلمس كيف احتل التعليم مركز الصدارة في حياة الكنيسة، جنبًا إلى جنب مع الإيمان من كتابات الكثير من آباء الكنيسة، خاصة القديس إكليمنضس السكندري من رجال القرن الثاني.
لقد سجل لنا القديس إكليمنضس السكندري عمله المشهور Paedagogus أي المهذب، ويعني به السيد المسيح، الذي يبقى يهذب ويدرب تلاميذه ليصيروا أيقونة له.
الكنيسة في نظره هي المدرسة، والمربي أو المهذب أو المعلم هو السيد المسيح، الذي يرعانا ويهذب نفوسنا.
* من هو المربي؟ إنه يُدعى يسوع، وأحيانًا يقول عن نفسه إنه راعٍ، قائلًا: "أنا هو الراعي الصالح" (يو 10: 11).. الذي يقود الأطفال إلى الخلاص، يُدعى بحق المعلم.. والتقوى هي التعليم، إذ هي دراسة خدمة الله، وهي المشورة الصحيحة التي تقود إلى السماء[8].
* نتعلم منه التواضع والتدبير، وكل ما يتصف بحب الحق والصدق، ومحبة البشر، ومحبة التفوق والتقدم.. يوجد طريق سخي وكريم يناسب ذلك الاختيار الذي تفرضه عذوبة الأخلاق الفاضلة، والنابعة من تعليم المسيح[9].
_____
[8] Paedagogus 1: 7 PG 8: 313.
[9] Paedagogus, 1: 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/education.html
تقصير الرابط:
tak.la/mwr5a72