في ترك الرسل والكنيسة الأولى لأباطيل العالم
يبدو ذاك (الذي بتأكيده أنه حاصل على امتيازات مواطن روماني منذ مولده، يشهد بأنه لم يكن شخصًا وضيعًا وفقًا لأوضاع هذا العالم) أنه لم يكن قادرًا على أن يتزود من الأملاك التي كانت له من قبل!... وكان أولئك الذين كانوا مُلاكًا لأراضٍ وبيوت في أورشليم وباعوا كل شيء دون أن يستبقوا لأنفسهم شيئًا على الإطلاق، واحضروا الثمن ووضعوه عند أقدام الرسل لم يكن بمقدورهم أن يسدوا مطالب أجسادهم من أملاكهم!...
لكن الواقع أن الرسل اعتبروا أن هذه هي الخطة المثلى للحياة، وآثروها على كل شيء عداها، وقد تخلوا عن جميع ممتلكاتهم في الحال، وآثروا أن يعولوا أنفسهم من ثمار عملهم، ومن إعانات الأمميين، الذين تكلم الرسول القديس عن جمعهم لها، في رسالته إلى أهل رومية، مفصحًا لهم عن موقفه من هذا الأمر. فقد حثهم على القيام بهذا الجمع، قائلاً: "ولكن الآن أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين، لأن أهل مقدونية واخائية استحسنوا أن يصنعوا توزيعا لفقراء القديسين الذين في أورشليم، استحسنوا ذلك وأنهم مدينون لهم لأنه إن كان الأمم قد اشتركوا (مع مؤمني أورشليم) في روحياتهم، فيجب عليهم أن يخدموهم في الجسديات" (رو 25:15-27).
وهو يبدي نفس الاهتمام مع أهل كورنثوس، ويحثهم بأكثر اجتهاد كي يعدوا قبل وصوله ما يجمعونه وهو ما كان ينوى إرساله لسد حاجاتهم قائلاً: "أما من جهة الجمع لأجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضًا، في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازنًا ما تيسر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ، ومتى حضرت فالذين تستحسنونهم أرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم" (1 كو1:16-4). ولكي يشجعهم على زيادة الجمع يضيف قائلاً: "وإن كان يستحق أن أذهب أنا أيضًا فسيذهبون معي"، يقصد القول بأنه مستعد للاشتراك في حمل تقدمتهم والسفر بها مع الوفد المرافق إذا كانت من الوفرة بحيث تستدعى ذلك.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكذلك يشهد للغلاطيين بأنه عندما راح يقتسم خدمة الكرازة مع الرسل، رتب الأمر مع يعقوب وبطرس ويوحنا على أن يقوم بالكرازة بين الأمم، ولكن ينبغي ألا يغفل العناية بالفقراء بأورشليم وتدبير أمورهم، أولئك الذين تخلوا عن جميع ممتلكاتهم واختاروا الفقر الاختياري من أجل المسيح. وقد قال في رسالته إلى أهل غلاطية بهذا الصدد: "فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون انهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم فللختان، غير أن نذكر الفقراء، وهذا أيضًا كنت اعتنيت أن أفعله" (غل2:9-10)...
من هم إذن أكثر استحقاقًا للنعمة، أولئك الذين لم يجمعوا من بين الوثنيين إلا متأخرا ولعجزهم عن الارتقاء إلى مراتب كمال الإنجيل، فتشبثوا بممتلكاتهم واكتفي الرسول بنهيهم عن عبادة الأوثان والامتناع عن الزنى والدم والمخنوق (أع20:15). واعتنقوا الإيمان بالمسيح مع احتفاظهم بكافة ممتلكاتهم، أم أولئك الذين يعيشون وفقًا لوصايا الإنجيل، ويحملون صليب الرب كل يوم، ولا يريدون أن يستبقوا أيضًا شيء من ممتلكاتهم لنفعهم الخاص؟..
إذا كان الرسول الطوباوي مقيدًا بالسلاسل والأصفاد، أو عاقته مشاق السفر، ولهذه الأسباب لم يتيسر له أن يعول نفسه بيديه، كما كان يصنع دائمًا، فصرّح أنه تسلم ما يسد احتياجاته من الإخوة الذين قدموا من مقدونية. قائلاً: "لأن احتياجي سدّه الإخوة الذين قدِموا من مقدونية" (2كو9:11). كما يقول لأهل فيلبي: "وأنتم أيضًا تعلمون أيها الفيليبيون أنه في بداءة الإنجيل لما خرجت من مقدونية لم تشاركني كنيسة واحدة في حساب العطاء والأخذ إلا أنتم وحدكم، فإنكم في تسالونيكي أيضًا أرسلتم إليَّ مرة ومرتين لحاجتي" (في15:4-16). (وما دام الأمر كذلك) فإذن وفقًا لفكرة هؤلاء الرجال، التي كوّنوها في برودة قلوبهم، يصبح أولئك القوم أكثر استحقاقًا للنعمة من الرسول العظيم، لأنه قد اتضح أنهم خدموه بمالهم! ما من أحد يتجاسر على هذا القول ولو كان مفرطًا في حماقته!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-greed-vanities-of-the-world.html
تقصير الرابط:
tak.la/ssyv64m