الفصل الثامن عشر
كم كان عدد المعارك والانتصارات التي اجتازها الرسول
لكي يستحق أن يرتفع لنوال إكليل المعركة العظمى
لا يعني الرسول أنه انتهى توًا من الصراع في السباق حين قال: "إذا أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين". هذه العبارة تخص بالأكثر تفكيره وحرارة روحه اللذين بهما تبع المسيح بكل حماس، فصار يجري مع العروس، قائلاً: "لرائحة أدهانك الطيبة.. اجذبني وراءك فنجري" (نش1: 3، 4). وأيضًا "تشتاق بل تتوق نفسي إليك" (مز9:62). لكنه أيضًا يشهد أنه قد انتصر في نوع آخر من المعارك قائلاً: "هكذا أُضارب كأني لا أضرب الهواء، بل أُقمع جسدي واستعبده". هذا يخص آلام التقشف والصوم الجسدي وآلام الجسد، إذ يعني بذلك أنه عامل جسده بحزم وليس برخاوة. لقد كبح شهواته الجسدية وغلب في معركة النصرة بإماتة جسده. لأنه حين يتطهر بكبح شهواته ويتهذب بالصوم يضمن لروحه الغالبة الإكليل الذي لا يفنى والمكافأة التي لا تفسد.
تأمل الأسلوب الأرثوذكسي في المعركة وقدر إنجازات المعارك الروحية، كيف أن المناضل المسيحي وقد انتصر على جسده الثائر ووضعه تحت وطأة قدميه يُحمل إلى الأمام كمنتصر في الأعالي. ولذلك فإنه لا يركض كأنه عن غير يقين، لأنه يثق بدخوله توًا إلى المدينة المقدسة، أورشليم السمائية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هكذا يحارب بالأصوام وإذلال الجسد ليس كمن "يضارب الهواء"، أي يضرب في الفضاء بلكمات كبح الشهوات التي بها لا يضرب الهواء، بل يضرب الأرواح التي تسكن هناك بطهارة جسده. لأن الذي يقول "ليس كمن يُضارب الهواء" يعني أنه "لا يضرب الهواء والفضاء"، بل يضرب كائنات معينة في الهواء.
ولأنه انتصر في هذا النوع من المعارك وسار وقد اغتنى بمكافآته من أكاليل هذا عددها، ليس عن غير استحقاق، دخل في قائمة الأبطال في النضال ضد أعداء أكثر ضراوة بعد أن انتصر على أعدائه السالفين. هكذا يعني بقوله: "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أبناء الشر الروحية في السماويات" (أف 26: 12).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-gluttony-battles-victories.html
تقصير الرابط:
tak.la/62htjd7