St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

515- المؤسسات عن روح الضجر: الفصل السابع: أحاديث للرسول تتعلق بروح الضجر

 

الفصل السابع

أحاديث للرسول تتعلق بروح الضجر

 

إن الرسول المبارك، كطبيب حقيقي للروح، إما عن طريق رؤيته لهذا المرض الذي انبعث من روح الضجر، وتسلل فعلاً (في أيامه)، أو عن طريق إدراكه مسبقًا بواسطة إلهام الروح القدس أن هذا المرض سيظهر بين الرهبان، أظهر بوضوح ما وصفه من أدوية شافية في إرشاداته.

ففي رسالته إلى أهل تسالونيكي، في مبدأ الأمر كطبيبٍ بارعٍ قدم لمرضاه دواء كلماته الرقيقة الملطفة، مبتدئًا بالمحبة وممتدحًا إياها في تلك النقطة. فإن هذا الجرح المميت إذا عولج بدواء لطيف مقبول يتخلص الإنسان من حدة قروحه، ويسهل أن يحتمل علاجًا أشد وأقسى. يقول: "وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنه، لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا، فإنكم تفعلون ذلك أيضًا لجميع الإخوة الذين في مكدونية كلها" (1تس4: 9، 10).

ابتدأ أولاً باستخدام الثناء الملطف، وجعل آذانهم خاضعة ومستعدة لعلاج الكلمات الشافية. ثم استطرد قائلاً: "إنما أطلب إليكم أيها الإخوة أن تزدادوا أكثر" وهكذا يبالغ في الترفق بهم بعبارات لطيفة طيبة، خشية أن يجدهم غير مستعدين لتقبُّل علاجهم التام.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 15), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 15)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 15), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 15)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

ما الداعي أيها الرسول أن تطلب منهم أن يزدادوا في المحبة، التي تكلمت عنها آنفًا: "وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها"؟.. وما الذي يُلزمك أن تقول لهم: "وإنما أطلب إليكم أن تزدادوا أكثر" ما داموا ليسوا في حاجة للكتابة إليهم عن هذا الموضع على الإطلاق؟ بخاصة أنك تضيف علة عدم حاجتهم قائلاً: "لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا"، ثم تضيف شيئًا ثالثًا أكثر أهمية وهو أنهم ليسوا متعلمين من الله فقط، بل إنهم أيضًا ينفذون بالفعل ما قد تعلموه.. "لأنكم تفعلون هذا". يقول لا لواحد أو اثنين بل "لجميع الإخوة".. "في مكدونية كلها".. حبذا لو أخبرتنا إذن لماذا تعمدت هذا الاستهلال؟ مرة أخرى يستطرد قائلاً: "وإنما أطلب إليكم أيها الإخوة أن تزدادوا أكثر".

أخيرًا يُصرح في تردد وتثاقل بما كان يرمي إليه من قبل قائلاً: "وأن تحرصوا على أن تكونوا هادئين"، هكذا كشف عن الغرض الأول.

ثم يضيف غرضًا آخر قائلاً: "وتُمارسوا أموركم الخاصة".

ثم يضيف غرضًا ثالثًا: "وتشتغلوا بأيدكم أنتم كما أوصيناكم

وغرضًا رابعًا: "وتسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج

وغرضًا خامسًا: "ولا تكون لكم حاجة إلى أحد".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

الواقع أنه في استطاعتنا أن نقدم عذرًا لعرض هذه المقدمات وإرجاء التفوه بما كان يملأ ذهنه: "وإن تحرصوا على أن تكونوا هادئين"، بمعنى أن تقيموا في قلاياتكم ولا تنزعجوا بالإشاعات التي تنبعث عادة من رغبات وثرثرة الكسالى، وهكذا تتسببون أنتم أنفسكم في إزعاج الآخرين...

كي "تمارسوا أموركم الخاصة"؛ ينبغي ألا تكونوا فضوليين تستطلعون شئون العالم، وتدسّون أنوفكم في شئون الآخرين وحياتهم، فتبددون قواكم لا في اصلاح أنفسكم ونشد الفضيلة، إنما في انتقاص قدر اخوتكم.

"وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم"، ليضمن بذلك ألا يفعلوا ما سبق أن حذرهم منه، بمعنى أن من واجبهم ألا يكونوا قلقين ولا فضوليين يدسون أنوفهم في شئون غيرهم من الناس، أو أن يسلكوا بغير لياقة عند الذين هم من خارج، أو أن تكون لهم حاجة إلى أحد.

الآن يضيف قائلاً: "وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم"، ذلك لأنه أوضح في جلاء أن وقت الفراغ هو علّة حدوث تلك الأشياء التي وجّه اللوم بخصوصها آنفًا. فما من أحد يمكن أن يكون قلقًا أو فضوليًا إلا إذا كان غير راغبٍ في العكوف على عمله الخاص.

يضيف أيضًا عاقبة وخيمة رابعة تنبعث هي الأخرى من هذا الفراغ، إذ ينبغي ألا يسلكوا بغير لياقة، حين يقول: "وتسلكوا بلياقة عند الذين هم من الخارج". الواقع إنه لا يستطيع أن يسلك بلياقة، حتى بين الذين من هذا العالم، من لا يرضى أن يتمسك بالعزلة في قلايته، وبعمل يديه. إذ ما من شك أنه سيسلك بغير لياقة حين يبحث عما يحتاجه من الطعام، ويلجأ إلى النفاق، والجري وراء التعرف على الأخبار، وإثارة الإشاعات، وتلمس الفرص للثرثرة، ورواية القصص التي قد تهيئ له دخول منازل الآخرين والترحيب به فيها.

"ولا تكون لكم حاجة إلى أحد"... إنه متأكد أن من لا يهتم بأن يوفر لنفسه قوت يومه عاملاً بيديه في هدوء وشعور بواجبه... ينظر إلى مواهب الآخرين وخبراتهم بعين الحسد.. ها أنت ترى أية ملابسات تنجم عن مرض البطالة والفراغ ومدى خطورتها ومهانتها معًا.

أخيرًا فإن هؤلاء الذين استخدم معهم في رسالته الأولى أرق العبارات عمد في رسالته الثانية إلى علاجهم بوسائل أشد صرامة وقسوة، إذ لم ينتفعوا من علاجه اللطيف المترفق. بدلاً من أن يستخدم عبارة رقيقة مثل: "أطلب إليكم أيها الإخوة" قال: "ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب" (2تس6:3). هناك يطلب، وهنا يوصي ويستحلف. هناك نجد ترفقًا إذ يحث، وهنا نجد صرامة إذ يعترض ويهدد.

"نوصيكم أيها الإخوة"، لأننا عندما "طلبنا منكم" في بداية الأمر سخرتم بنا ولم تنصتوا، فالآن لا أقل من أن تطيعوا تهديدنا. إنه يلقي نوعًا من الرعب على هذه الوصية الآمرة مع استخدام اسم ربنا يسوع المسيح، مُحذرًا من غضبه، خشية أن يسخروا من كلامه مرة أخرى ظانين أنه مجرد قول بشري، ويتوهمون أنه قليل الأهمية. ومن ثمَّ فكطبيب مختبر ماهر يحاول العلاج بإجراء جراحة بسلاح روحي قائلاً: "أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (2تس6:3). هكذا يأمرهم أن يتجنبوا أولئك الذين لا يُكرسون وقتًا للعمل، وبترهم كأعضاء من البدن شوّهتها قروح البطالة والفراغ، خشية أن ينتقل مرض التراخي والكسل تدريجيًا إلى الأجزاء السليمة من الجسم، مثل بعض الأمراض المعدية المميتة.

حين يتكلم الرسول عن أولئك الذين لا يعملون بأيديهم، ويأكلون خبزهم في هدوء، يحثنا على تجنبهم. استمع إلى ما يدفعهم به من ضروب الملامة والتوبيخ عند استهلاله. فهو أولاً: يدعوهم "بلا ترتيب"، وأيضًا: "لا يسلكون حسب التعليم". وبعبارة أخرى يصفهم بالعناد لأنهم لا يسلكون وفق توجيهه، وبعدم اللياقة لأنهم لا يلتزمون بالأوقات اللائقة المضبوطة في خروجهم وزياراتهم وأحاديثهم. لأن الشخص غير المرتب يتعرض بالتأكيد لكل هذه الأخطاء.

"وليس حسب التعليم الذي أخذوه منا"، بهذا يوبخهم على أنهم على نحوٍ ما متمردون، ومستهزئون، قد استخفوا بالتعليم الذي أخذوه منه ولم يحرصوا عليه، ولم يتبعوا ما تذكروا أنه قد علمهم به لا باللفظ فحسب بل ومارسه بالفعل أيضًا... "إذ أنتم تعرفون كيف يجب أن يُتمثَّل بنا" (2تس7:3).

يحشد الرسول كومة هائلة من التقريع واللوم حين يؤكد أنهم لم يراعوا ما لا يزال عالقًا بذاكرتهم. والذين تعلموه ليس فقط بالإرشاد الشفوي، بل تسلموه أيضًا في شخصه كقدوة في العمل لا بُد أن تُحتذى.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-boredom-apostle.html

تقصير الرابط:
tak.la/8vgk9j3