يعرف داود الطوباوي بأن هذا الترك المؤقت من جانب الله تجاهنا أحيانًا يكون لصالحنا، وفي صلاته طلب أن لا يكون ذلك على الدوام (لأنه يعلم أن ترك الله للإنسان فيه ضرر حيث تعجز الطبيعة البشرية عن السلوك نحو الكمال)، لذلك توسّل بأن يكون ذلك في حدود معينة قائلاً: "لا تتركني إلى الغاية" (مز 8:119). بمعنى آخر يقول: إنني أعلم أنك تترك قديسيك لأجل فائدتهم وذلك لامتحانهم... لذلك فأنا لست أسأل ألا تتركني، لأنه ليس من المفيد لي ألا أشعر بضعفي (لذلك قال "خيرٌ لي أني تذللت" مز 71:119)، ولا من النافع لي ألا تتاح لي فرصة للحرب. وهذه الفرصة لن تتاح لي بالتأكيد مادمت أمتلئ بحماية اللّه الدائمة. فالشيطان لا يتجاسر ويحاربني ما دمت مستندًا على حمايتك، فيتقدم معترضًا ومشتكيًا ضدي وضدك: "هل مجانًا يتقي أيوب الله؟ أَليس أنك سيَّجت حوله وحول بيته وحول كل ما لهُ من كل ناحية؟" (أي 1: 9-10). فأنا ألتمس منك أن تتركني لكن "ليس للغاية" (اللفظ اليوناني "ليس كثيرًا") وذلك لأنه مفيد لي أن تتركني قليلاً حتى يمتحن ثبات حبّي.
من الخطر عليّ أن تتركني كثيرًا لخطاياي واستحقاقاتي، لأنه إن تَركتْ عنايتك الإنسان في البرية طويلاً لا يقدر أن يحتمل فيستسلم للعدو. فأنت عالم بقوة الإنسان واحتماله، فلا تدعنا نجرَّب فوق ما نستطيع بل ستجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لنستطيع أن نحتمل (1كو13:10).
ونقرأ أيضًا في سفر القضاة عن أمر كهذا في صورة رمزية (قض3: 1، 4)... فقد ترك الأمم ليس ليمنع سلامة الشعب (اليهودي)، ولا لضررهم، إنما لأنه يعلم أن ذلك فيه خيرهم. فإذ يضايقهم الأمم بالهجوم يشعرون باحتياجهم إلى العناية الإلهية. لهذا يستمرون متطلعين إلى الله طالبين معونته ولا يتهاونون في كسل، ولا يفقدون فضيلة الاحتمال والعمل، مجاهدين في الفضيلة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-4-david.html
تقصير الرابط:
tak.la/kkx43k2