4- الأعمال التي تناسب المتوحدين
كل من يثابر على الدوام ساهرًا ينفذ ما أوضحه حبقوق النبي قائلاً: "على مرصدي أقف وعلى الحصن أنتصب، وأراقب لأرى ماذا يقول لي؟ وماذا أجيب عن شكواي؟" (حب1:2). ويظهر بوضوح كيف أن هذا صعب ومضني وذلك من خبرة الذين يقطنون صحراء[2] Clamus أو Porphyrion. فمع كونهم منفصلين عن كل المدن ومساكن البشر بمسافة بعيدة في الصحراء أكثر مما لوحشية منطقة الإسقيط حيث يحتاج الوصول إليهم إلى السير سبعة أو ثمانية أيام في وسط برية قاحلة... لكنهم لما انشغلوا بالزراعة في حدود غير ضيقة... صارت الأفكار المقلقة تشوش أذهانهم، حتى صاروا كأناس مبتدئين في الرهبنة، أو كمن ليس لهم خبرة في الوحدة، ولم يعودوا يحتملون السكون والبقاء في القلالي والسلام الذي فيها، إنما أجبروا على تركها كمن هم تحت التمرين بلا خبرة، لأنهم لم يتعلموا كيف يوقفوا حركات الإنسان الداخلي، ويخمدوا عواصف أفكارهم بالعناية اللازمة والجهاد بمثابرة. إنما كانوا يقضون يومهم في الهواء الطلق في تعب منطلقين في العراء، ليس من جهة جسدهم بل وقلبهم أيضًا، إذ كانوا يتحدثون بأفكارهم علانية أينما ذهبوا. بهذا لم يراعوا غباوة ذهنهم من جهة اشتياقاتهم لأمور كثيرة، ولم يتمكنوا من ضبط تفكيرهم الهائم. وإذ لم يكونوا قادرين على احتمال حزن الروح كانوا يحسبون أن السكون الدائم أمر لا يُطاق، وأن من لا ينشغل بأعمال مجهدة... يكون مضروبًا بالصمت ومنهك القوى بسبب طول فترة راحته.
_____
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-24-works.html
تقصير الرابط:
tak.la/b37c7rb