2- زهد الراهب في المشاعر الجسدية
إن ضعف أفكاركما يُظهر أنكما إلى الآن لم تزهدا الرغبات العالمية، ولا مارستما إماتة شهواتكما السابقة. لأن رغباتكما الهائمة تكشف عن كسل قلبيكما، مع احتمالكما من جهة الجسد فقط. فيلزم دفن كل هذه الأمور ونزعها من قلبيكما تمامًا، إن كنتما قد أمسكتما بالزهد الحقيقي وبالسبب الرئيسي للوحدة التي نحياها.
هكذا أراكما ساقطين تحت هذا الضعف من الكسل الذي يصفه سفر الأمثال: "نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها"، وأيضًا "شهوة الكسلان تقتلهُ" (أم 4:13؛ 25:21). لأنه لا يليق بنا أن نستريح من جهة احتياجاتنا الزمنية ما دامت هذه الاحتياجات ضرورية ومتناسبة مع دعوتنا. فإذا ظننا أننا نستطيع أن نقتنى لنا ربحًا عظيمًا من تلك المباهج التي تنبع عن المشاعر الجسدية فلا ننزع عنا سلوان أقاربنا، أما يصدنا قول مخلصنا الذي يستبعدنا عن كل ما ينسب إلى حاجات الجسد قائلاً: "إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض (يترك) أباهُ وأمهُ وامرأتهُ وأولادهُ وإخوته وأخواتهِ.. فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 26:14)؟
إن كنا قد تخلصنا من حماية والدينا، فإنه يلزمنا أيضًا ألا نحتاج إلى خدمات الرؤساء[1] الذين بكل شكر يبتهجون بتقديمهم احتياجاتنا مجانًا. فإننا إذ نقتات بغناهم نتحرر من الاهتمام بإعداد الطعام، لكن ترعبنا لعنة النبي القائل: "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان" (إر 5:17) و"لا تتكلوا على الرؤَساءِ" (مز 3:146).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
على أي الأحوال لو أننا أقمنا قلالينا على ضفاف النيل لكي ما نحمل المياه إلى أبوابها (بغير تعب)، فلا نحملها على أكتافنا بأنفسنا مسافة أربعة أميال، أمَا يوبخنا قول الرسول الذي يطلب منا الاحتمال بغير كلل بل بفرح، قائلاً: "ولكن كلُّ واحدٍ سيأخذ أجرتهُ بحسب تعبهِ"(1كو8:3)؟
لعلنا نجهل أنه حتى في مدينتنا توجد مخازن مملوءة بما لذّ وطاب، وثمار وفيرة وحدائق غناء وأرض خصبة تمدنا بما نحتاج إليه من طعام بأقل مجهود جسدي، لكننا نخشى لئلا نوبخ بما وُجه إلى الغني المذكور في الإنجيل: "اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك" (لو25:16). لكننا إذ نحتقر كل هذه الأمور ونزدرى بها تمامًا مع كل مباهج الحياة، نبتهج بالصحراء القاحلة البعيدة أكثر من كل الملذات إذ لا نطلب نفعًا زمنيًا للجسد، إنما مكافأة أبدية للروح...
لأنه قليل على الراهب أن يقوم بالزهد مرة واحدة فقط، محتقرًا العالم الحاضر في أيامه الأولى وحدها (عند خروجه للدير)، إنما يلزم أن يستمر في زهده كل يوم... لهذا يقول الرب في الإنجيل: "إن أراد أحد أن يأتي ورائِي فلينكر نفسهُ ويحمل صليبهُ كلَّ يومٍ ويتبعني" (لو23:9).
_____
[1] أي الذين هم في مناصب كبيرة ويودوا أن يقدموا للرهبان خدمات لأجل راحتهم... فانه لا يليق بالرهبان أن يتكلوا عليهم في كسل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-24-asceticism.html
تقصير الرابط:
tak.la/9cc5ty9