1- مقدمة
الآن إذ أروى لكم تعاليم الأب بينوفيوس، الرجل العظيم الممتاز، بخصوص غاية التوبة، أظن أنه يمكنني أن أتغاضى عن الكثير من مادة هذا الموضوع.. حتى لا يمل القارئ. إني أصمت هنا عن مديحي تواضع الأب بينوفيوس، إذ سبق لي الحديث عنه باختصار في كتاب المؤسسات[1] تحت عنوان "قوانين خاصة بالنساك"...
كان هذا الرجل رئيسًا كأب وقس على مجمع رهبان عظيم قريب من مدينة أينفو[2] Panéphysis التي قلنا أنها بمصر، وكانت المقاطعة كلها تمجده جدًا من أجل تقواه والمعجزات التي تتم على يديه، وكان يرى في نفسه أنه بهذا ينال أجرة أعماله في مديح الناس. وإذ خشي المديح العام الفارغ، الذي كان ينبذه، لئلا يفقد ثمار الجزاء الأبدي، هرب من ديره سرًا وذهب إلى مكان منعزل بعيد في دير طبانسين[3]. لم يخترْ المضي إلى الصحراء الموحشة حيث الوحدة والبعد عن اهتمام الآخرين الخاصة بالمتوحدين، هذه الحياة التي قد يلجأ إليها بعض الأحيان غير الكاملين وغير القادرين على احتمال الطاعة لجميع الرهبان مدفوعين بكبرياء التوحد، بل اختار لنفسه أن يخضع في دير مشهور.
على أي الأحوال ارتدى زي علماني متخفيًا، وهناك ارتمى أمام باب الدير وهو يبكي بدموع لمدة أيام كثيرة، كما كانت العادة هناك، طالبًا أن يقبلوه. وكان ينحني أمام الجميع ليقبلوه، لكنهم كانوا يرفضونه ناظرين إليه أنه رجل مسن جدًا لا يطلب الحياة المقدسة بإخلاص إنما من أجل العوز.
أخيرًا قبلوه، وجعلوه يساعد أخًا حديثًا في الرهبنة يعتني بشئون الحديقة. فكان ينفذ أوامر رئيسه باتضاع عجيب مقدس، عاملاً بأمانة في كل ما يُعهد إليه به. وكان يقوم بالليل ليعمل خفية بعض الأعمال الأخرى التي كان الإخوة يشمئزون منها أو يستثقلونها. وكانوا إذا قاموا في الفجر يبتهج الجميع من أجل الأعمال التي قد تمت دون أن يعلموا من الذي كان يصنعها.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
قضى ثلاث سنوات على هذا الحال وهو مبتهج بهذه الخدمات والأعمال... حتى حدث أن جاء أخ من نفس المنطقة التي كان يعيش فيها الأب بينوفيوس. رآه الأخ وتردد إلى حين في التأكد من شخصه، وذلك بسبب حقارة ملابسه ومنظره، لكن إذ تفرس فيه قليلاً سقط عند قدميه وصار يقبِّله.
اندهش الإخوة جميعهم من هذا الأمر، وإذ أخبرهم الأخ عن اسمه الذي ما أن سمعوه حتى عرفوه لأن قداسته كانت ذائعة، للحال أُصيبوا بأسف وندامة من أجل ما أسندوا إلى هذا الكاهن الفاضل من خدمات حقيرة كهذه، فالتفوا به وصاروا يبجلونه. أما هو فكانت دموعه تذرف بغزارة، ناسبًا أن هذا الإفشاء إنما بسبب حسد الشيطان له. (اضطر أن يعود إلى ديره).
بقي على هذا الحال إلى وقت قصير، وبسبب عظمة الاحترام الذي قدموه له اضطر أن يختفي مبحرًا إلى مقاطعة فلسطينية في سوريا، وذهب كمبتدئ في الرهبنة في الدير الذي كنا نعيش فيه، وقد عهد إليه مدبر الدير أن يمكث في قلايتنا. ولم تمض فترة قصيرة حتى انكشفت فضائله، إذ ظهرت شخصيته بنفس الطريقة السابقة، وعاد إلى ديره بتبجيل واحترام.
_____
[2]أنيفو أو بانيفو أو بانيفيسيس Anepho or Panepho or panephysis
[3]أو طبنسى... Tabennse or Tabens
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-20-father-benuvius.html
تقصير الرابط:
tak.la/j4j6nfs