St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   grow
 
St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   grow

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

صرخة شبابية: كتاب دعوني أنمو! لمسات واقعية في عالم الشباب - القمص تادرس يعقوب ملطي

77- الشباب وعالمه الخاص

 

تئن كثير من العائلات بسبب انتماء أبنائهم لأصدقائهم أكثر من انتمائهم لهم، فالشباب -خاصة في سن المراهقة- يريدون أن يقضوا غالبية أوقاتهم مع أصدقائهم، يتصلون بهم بكل وسيلة، كأن يتحدث المراهق مع صاحبه تليفونيًا لساعات طويلة فيما يبدو مهمًا وما ليس بمهم، بينما لا يعطي دقائق للحديث مع والديه. وكأن يريد الشاب أن يسهر في بعض حفلات الشباب أو مع أصدقائه في أي مكان بينما يرفض مساعدة والديه في أي عمل منزلي.

هذه الظاهرة طبيعية، لأن للشباب عالمه الخاص، إليه ينتمون، وفيه يجدون من يشاركهم مشاعرهم وأحاسيسهم واهتمامهم، يقدرون آرائهم ويحاورونهم، بينما نجد أحيانًا الآباء يستتفِهون آراء أبنائهم، خاصة في الأمور التي يحسبها الآباء مضيعة للوقت تشتت أذهان أبنائهم عن دراستهم الجادة والاهتمام بالمستقبل.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يليق بنا أن ندرك الآتي:

1- يعاني البشر من "الشعور بالعزلة feeling of loneliness"، الأمر الذي يقتل حياة المرء النفسية ويحطم شخصيته. قد يكون له أسرته التي تهتم به وترعاه، وأصدقاء يأنسون به، ومع هذا يشعر بالعزلة في أعماقه. إنه محتاج إلى من يدخل إلى أعماقه ويشاركه أحاسيسه، ويتفهم ما وراء تصرفاته. هذا ما جعل الكثيرين يتطلعون إلى "الاتصالات communications" كعاملٍ حيويٍ في حياة الإنسان، في كل مراحلها؛ عليها تقوم كل العلاقات، فتكون كالماء بالنسبة للنبات وبدونه يموت [1]، كل إنسان يشعر أنه في عزلة عن الغير يفصله خليج، لذا فهو في حاجة إلى الاتصالات ليعبر هذا الخليج ويدخل إلى الآخرين [2] وهم يعبرون إليه، محققًا وجوده الفعّال في وسطهم. هذه الاتصالات الظاهرة تحمل معانٍ داخلية في حياة الإنسان أعمق من المعنى الظاهري، تسمى meta-communication، تهب النمو والنضوج لشخصية الإنسان، وتحقق كيانها [3].

St-Takla.org Image: Pride, self love, ego, egoism. صورة في موقع الأنبا تكلا: كبرياء، محبة الذات، الأنا، الذاتية.

St-Takla.org Image: Pride, self love, ego, egoism.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كبرياء، محبة الذات، الأنا، الذاتية.

إذن التجاء أبنائنا إلى الاتصالات بالغير ظاهرة صحية تعني الرغبة الأكيدة في النمو وتحقيق الشخصية، ليس من حقنا كبتها أو تحطيمها، وإنما بالحب والحوار نساعدهم على توجيهها بحكمة واتزان.

لماذا نتحدث عن حاجة المراهقين إلى الاتصالات كظاهرة رديئة، فنتهمهم بإضاعة الوقت فيما لا ينفع وعدم مبالاتهم واهتمامهم بالدراسة والمستقبل، أو بالجحود إذ يودون الحديث مع أصحابهم أكثر منه مع والديهم، بينما نحن أنفسنا انقضى فترات طويلة في اتصالاتنا بالغير لنمارس حياتنا في عالمنا الخاص، خاصة مع من يتجاوب معنا في الفكر سواء ثقافيًا أو فنيًا أو روحيًا.

إن تطلعنا إلى تاريخ الكنيسة نجد صورًا بلا حصر تكشف عن حاجة الإنسان إلى الاتصالات حتى في الحياة الروحية بين القادة أنفسهم أو أصحاب القامات العالية. نذكر على سبيل المثال كيف ارتبط القديسان مكسيموس ودوماديوس -ابنا الملك فالنديوس- ببعضهما البعض في حياتهما النسكية العالية ليعيشا في مغارة كملاكين، وعندما تنيح الأكبر بكى الصغير بدموع ولم يحتمل الحياة بدونه وطلب من القديس مقاريوس أن يصلي لأجله كي يلحق به، وقد استجاب الرب لدموعه ومشاعره المقدسة وأخذ نفسه في اليوم الثالث لنياحة أخيه.

ارتبط القديسان أبوللو وأبيب معًا في صداقة روحية حميمة، وعاشا يسندان بعضهما البعض، يلهب الواحد قلب الآخر بالحب الإلهي...

لقد أدرك القديس باخوميوس أهمية "الاتصالات" بين الرهبان في الرب، فجعلهم يسكنون أثنين أثنين أو ثلاثة ثلاثة في كل "قلاية"، قائلًا بأنه إن سقط واحد يقيمه الآخر.

إذن الإنسان، مهما بلغ عمره أو ارتفعت قامته الروحية أو انهمك في ممارسة مواهبه المحبوبة لديه، فهو محتاج إلى "الاتصالات" ليمارس إنسانيته. حقًا لقد وُجد رهبان متوحدون يقضون ربما أسابيع أو شهور وأحيانًا سنوات لا يرون أحدًا ولا يلتقون بأحد، لكنهم يحملون الاتصالات في أعماقهم، ينسكبون كل النهار بالحب نحو الله والناس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يحملون البشرية في داخلهم، ويشاركونهم آلامهم، ويصلّون من أجلهم (4).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2- نريد أحيانًا أن نفرض على أولادنا الاتصال بعالم البالغين وحده بأفكاره وقيمَه واتجاهاته، الأمور التي يراها المراهقون أنها لا تناسبهم، إذ لا يجدون في هذا العالم من يسمع لهم أو يقدّر رأيهم ويحاورهم بالحب... لذا سرعان ما يطلبون التحرر من قيود هذا العالم الذي يبدو لهم غريبًا عنهم.

لعل من الأسباب آلتي تدفع بعض الآباء إلى سحب أولادهم من عالمهم الخاص بطريقة خاطئة منفرة، هو ارتباطهم بالذات "ego". فالآباء يريدون ربط أبنائهم بحياتهم ومستقبلهم ورغباتهم الخاصة وأفكارهم، دون اعتبار لما لهؤلاء الأبناء من قدرات خاصة ومواهب وشخصيات لها تقديرها. إنهم يدفعون أبنائهم لتحقيق اتجاهاتهم الخاصة، فيرون أنفسهم ناجحين في أبنائهم بحسب أفكارهم، متجاهلين كل اعتبار لشخصيات الأبناء.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3- عدم تقديرنا لعلم أبنائنا قد يدفعه إلى أحد اتجاهين:

(أ) تحطيم نفسيتهم، وقتل كل روح قيادي فيهم.

(ب) ثورتهم العارمة وسخريتهم بكل ما يمس الجيل السابق لهم.

الحاجة ماسة إلى الإنصات إليهم بكل القلب والفكر، نصغي باهتمام، ونوجههم بالحب في اعتدال، فلا نتسيب معهم كما لا نحطمهم، مدركين أنهم يتعلمون خلال خبرتنا كما خلال خبرتهم بكل أخطائها. يليق بنا ألا ننسى أنفسنا حين كنا نسلك في عالم الشباب، وإن كانت قد تغيرت الظروف والإمكانيات.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4- يليق بنا نحن جميعًا -البالغين والمراهقين- أن ندرك أن نمو شخصياتنا هو عمل دائم لا يتوقف ما دمنا نمارس الحياة المتجددة في الرب. هذا النمو يقوم على الاتصالات، لا بالمعنى الضيق الذي ينحصر في المعاملات الخارجية والحديث والحوار المستمر، لكن بالأكثر الاتصال بالغير على أساس قبول الغير كما هو، فلا نطلب تشكيله على هوانا نحن، ولا نطلب لذتنا على حساب نموه وبنيانه المستمر.

أولا: لا نطلب تشكيل الغير حسب أفكارنا الذاتية، بل نقبله بشخصه وقدراته ومواهبه الخاصة به. إن كانت الذات ego تعمل في الإنسان مشتاقًا أن يرى الكل شبهه، فإن هذه الذات تقتل الإنسان نفسه وتحطم الغير. هذا ما نلاحظه في الحياة الأسرية، فالزوج الذي يريد أن يصب زوجته في قالب خاص لتحرج صورة مطابقة في كل شيء يفشل ويتحطم، حاسبًا نفسه مخدوعا في اختيار الزوجة، لأنه يستحيل أن يتحول طرف إلى صورة للطرف الآخر. يبقى هذا الزوج تقتله أفكاره ومشاعره بالفشل ويحطم زوجته معه. ذات الأمر يتكرر إن أرادت الزوجة أن تمارس ذات العمل مع زوجها، وأيضًا إن مارس الآباء ذلك مع أبنائهم.

ليتنا ندرك أن الله أوجد هذا العالم جميلًا بتنوعه وتكامل وظائفه، كل إنسان هو شجرة خاصة أو نبات له نموه الخاص به ليحمل ثمره اللائق به. عملنا أن نحاول أن نفهم الغير ونحترم مواهبه وقدراته ونقبله كما هو، لا أن نشكِّله حسب هوانا الذاتي. هذا لن يتحقق ما لم يعرف الإنسان أولًا أعماقه هو ليحترم أعماق الغير، ويقدر النفس "self" فيه كما في الغير.

ثانيًا: لا نطلب ما يسعدنا وقتيًا على حساب نمو الغير وبنيانه المستمر. هذا مبدأ الحب الذي يلزم أن يكون دستورًا لكل اتصالاتنا، سواء بين من هم في عالمنا كبالغين أو كشباب أو في عالم الغير، أي معاملات البالغين مع الشباب أو العكس.

كتب أحد المراهقين عن خبرته الأولى حين مارس الجنس قبل الزواج، فقال إنه إذ أكد حبه للفتاة، وطلب منها تسليم جسدها تأكيدًا لحبها له، ومارس معَها رغبته بدأ يتألم جدًا، لأنه استحوذ عليها على حساب طهارتها وعفتها كما بدأ يفكر في مشاعرها المجروحة حين تركها ولا يرتبط بها. هذه هي الاتصالات المريضة، بل والقاتلة له ولها، لأنها على حساب بنيانهما وخلاصهما.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/special.html

تقصير الرابط:
tak.la/bbfy36h